تحديث آخر نسخة 1.8.37

تقييم الموضوع :
  • 0 أصوات - بمعدل 0
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
الحياة : لغز الوجود الأعظم
#1
إحدى أصعب المسائل فى تاريخ العلم هى التحدث عن النشأة الأولى للحياة . فإذا ما راجعت ما كتبته فى مقالي عن موجز تاريخ الكون فستجد أن الأرض كانت منذ عدة مليارات من السنين قد أضحت بيئة غنية بالمواد العضوية الداعمة للحياة و لكنها مع ذلك مفتقرة للحياة.
و قد حاول الكيميائي الأمريكي" ستانلى ميلر" عام 1953 إعادة تسجيل ظروف الأرض البدائية التي أدت إلى تكون المواد العضوية المكونة للحياة فقام بامرار تيار كهربي – عوضا عن الشحنات البرق الطبيعية _ في مخلوط من الميثان و الهيدروجين و الامونيا ووضع جميع هذه المكونات في قارورة ماء مغلي لتنشيط حركة الغاز فيه , و في نهاية التجربة تكونت تشكيلة من المركبات العضوية منها كمية لا باس بها من حمضين أمينيين – هما الجليسين و الألانين- و هما من الأحماض الأمينية الأساسية العشرين التي تدخل في تركيب البروتينيات. و هو ما يعنى ان بحار الأرض البدائية قد احتوت على خليطا مخففا من الجزيئات العضوية الصغيرة نتيجة لمجموعة من التفاعلات الكيماوية بين المكونات الغلاف الجوى التي حفزتها طاقة البرق.
و هناك اقتراح – له وجاهته- بأن نقطة البدء الحقيقية للجزيئات الحية تكمن في منظومة ما قادرة على استنساخ نفسها بفجاجة مثلما تفعل البلورات غير العضوية , فالبلورات المثالية مكونة من ذرات منتظمة الترتيب و لكن البلورات الحقيقية ليست كاملة أبدا بل تحتوى على عيوب مثل سوء ترتيب الذرات , و هذه العيوب يمكن ان تنتشر بطرق تضاهى الاستنساخ و يمكن ان تعتريها تغيرات شبيهة بالطفرة, و هذا في حد ذاته لا يمثل حياة ولا حتى مسارا للحياة و لكنه يمكن ان يكون نموذجا للأحداث الكيماوية في مرحلة التطور قبل البيولوجي.
و قد اقترح الكيميائي البريطاني" ج. كيرنز سميث" أن الصلصال يمكن أن يكون الجهاز الأصلي المسبب للاستنساخ, فالصلصال مادة طينية شائعة تكون بلورات بسهولة.
و تستطيع بعض المواد العضوية التعجيل بعملية تكوين البلورات الصلصالية حيث يمكنها ان تعلق بالصلصال فتكون منظومات استنساخ صلصالية/عضوية.
و يقترح" اسحاق عظيموف"أن الصلصال ينتقى أفضل المركبات العضوية توافقا معه بحيث يصبح الشق العضوي في المنظومة شيئا فشيئا اكثر مهارة في التناسخ, و في النهاية يستطيع ان يسير قدما بمفرده و يطرح الصلصال جانبا بعد أن أدى دور السقالة التي لم يعد لها لزوم.
وقد وجد" جيمس لوليس" من خلال دراساته على عينات الكويكبات الساقطة من الفضاء أنها تحتوى على تجمعات عشوائية لكل من الأحماض الأمينية اليمينية و اليسارية – أي تلك التي تدور الضوء المستقطب جهة اليمين وتلك التي تدوره جهة اليسار- و وجد انه عندما تتعرض هذه المخاليط العشوائية للبلورات الصلصالية فان الصلصال ينتقى فقط الجزيئات اليسارية و يطرح جانبا الجزيئات اليمينية . و في ذلك تفسير لحقيقة أن كل جزيئات الأحماض الأمينية في الكائنات الحية تحتوى فقط على جزيئات يسارية. و لذلك فمن المؤكد ان نظرية الأصل الطيني للحياة ترجع إلى هذه البداية الصلصالية.
لقد كانت مثل هذه التجمعات التحضيرية بمثابة المنظومات الأولية ذاتية التكاثر , و لكن هذه العمليات لم تكن إلا خطوة في سبيل الحياة , فهذه العمليات لم تتعد ان تكون تجمع كيميائي نتج عن تفاعلات كيماوية هيأتها ظروف التنافس ما قبل البيولوجي بين الجزيئات. وكان على هذه الجزيئات ان تقطع طريقا طويلا يحوطه الإبهام حتى تصل إلى أول الخلايا الحية التي احتوت على جزيئات معقدة من RNA بمفرده أو مع DNA و البروتينيات كخطوة ضرورية لأداء وظائفها الحيوية. و لا يمكن ان تكون جزيئات DNA قد ظهرت أولا لأنها لا تحفز أي تفاعلات كيماوية, كما لا يمكن للبر وتينات أن تكون قد ظهرت أولا, لأن البروتين عبارة عن كيمياء خالصة, و لا توجد آلية معروفة لكي ينسخ البروتين نفسه بدقة. و من غير المحتمل ان يكون أي منهما قد اخترع الآخر.
و توجد الآن براهين متزايدة على ان RNA هو السلف المباشر لكل منهما , فسلوك RNA داخل الخلية الحية اليوم يرتبط ارتباطا مباشرا بالوظائف الأساسية للخلية الحية فبالاعتماد عليه يتم تشغيل الإنزيمات في الخلية الحية, كما ان مكونات DNA تصنع بإبدال اليوراسيل في RNA بالثايمين في DNA . و بالإضافة إلى ذلك فان RNA بخلاف كل من DNA و البروتين يستطيع ان ينسخ نفسه بدون مساعدة, كما ان جزيئات RNA تستطيع أن تعمل كحافز يؤدى لتحلل الجزيئات الأخرى و ربطها معا بما في ذلك جزيئات RNA نفسها. و من المحتمل أن أول جين بدائي كان مصنوعا من RNA و كان يعمل كحافز /ناسخ – في آن واحد - مستهلكا ما حوله من الكيماويات لينمو و يتكاثر بالانقسام. و لكن بما ان حامض RNA غير مستقر و يتحلل خلال ساعات في أي ظروف غير ملائمة فلم يكن بوسع الكائنات البدائية ان تغامر بالذهاب إلى أي مكان حار أو بالنمو إلى حجم بالغ الكبر إذ أنها لو فعلت ذلك لارتكبت ما يسميه علماء الوراثة " خطأ كارثيا" يؤدى لتحلل سريع لمحتواها الجينى. فكان أن اخترع أحدها بطريق" المحاولة و الخطأ" نسخة جديدة اكثر صلابة , ألا وهى حمض DNA الذي استطاع التغلب على الكثير من العقبات التي واجهت سلفه وان احتاج إليه لاتمام عمليات النسخ الخاصة به.
و تتواجد في أجسامنا كل من البروتينات و جزيئات RNAو DNA وهذه الجزيئات منوط بها أداء العمليات الحيوية الأساسية , ففي حين يمثل DNA السلطة التشريعية في الخلية الحية, تمثل البروتينات السلطة التنفيذية . و كلاهما يحتاج لجزيئات RNA لأداء العمليات الحيوية المنوطة بكل منهما.
لقد وجدت جزيئات RNA البدائية - عند نقطة مبهمة في تاريخ الحياة - مأوى لها داخل غشاء واق لتكون أول الخلايا الحية سائبة النوى PROKARYOTE – التي تتوزع مادتها الوراثية في أرجاء الخلية- و ترجع اقدم آثار البروكاريوت المعروفة حاليا إلى نحو 3.46 بليون سنة و تم اكتشافها بواسطة " وليام شوبف" عام 1992 في شمال غرب استراليا, و تمثل هذه الآثار بقايا لشكل من السيانوبكتريا التي تستطيع الحياة في بيئات بالغة القسوة بدءا بالصحارى الجافة إلى شرائح الثلوج القطبية و حتى حاويات تبريد المفاعلات النووية.
لقد كانت هذه الخلايا البدائية مثل كل الخلايا الحية اليوم تمتلئ بمادة معقدة التركيب تسمى البروتوبلازم PROTOPLASM وهى مادة هلامية تتم فيها كل التفاعلات و الأنشطة الكيماوية المصاحبة للحياة. و قد اثبت عالم التشريح الألماني" ماكس شولتز" عام 1860 أن للبروتوبلازم خصائص متماثلة في كل الخلايا الحية سواء كانت خلايا كائنات معقدة أو بسيطة جدا و سواء كانت خلايا نباتية أم خلايا حيوانية. و هو ما يعنى أن كل الكائنات الحية على الأرض قد انبثقت من اصل واحد.
ومن المحتمل انه قد حدث منذ نحو 2.5 بليون سنة أن التحمت عرضا خلية بروكاريوت متحركة مع أخرى قابضة على الأكسجين لتنتج خلية اكثر كفاءة في مع البيئة المحيطة مما منحها فرصة اكبر للبقاء و التكاثر. و مع اتحادهما معا كان لابد من إعادة تنظيم الكروماتين المتناثر في الخلية و جمعه في مكان واحد (النواة) لملائمة الحجم الجديد للخلية . ومن هنا ظهرت الخلايا حقيقية النوى EUKARYOTE و لذلك فلنا أن نتخـــيل أن الخلايا اليوكاريوتية هي خلايا متعددة البروكاريوت , مثلما أن الحيوانات و النباتات هي كائنات متعددة الخلايا.
و مما لاشك فيه ان عددا هائلا من الاتحادات البروكاريوتية قد حدثت غير ان القليل منها هو الذي استطاع ان يقدم للكائنات اليوكاريوتية الناشئة مميزات إضافية تمنحها قدرة تنافسية افضل و بالتالي الصمود تحت وطأة قسوة الانتخاب الطبيعي . فمثلا قدمت البلاستيدات الخضراء للخلايا التي التحمت معها قدرة على الاستفادة من ضوء الشمس, و أكسبت الميتوكوندريا الكائنات المتحدة معها قدرة فائقة على التنفس الهوائي لتوليد الطاقة. ولا زلنا نلمس آثار هذا الاتحاد الناجح الآن مع كل نفس نتنفسه لتوليد الطاقة اللازمة لاتمام العمليات الأيضية في أجسامنا.
و هكذا استمرت التكافلات الناجحة أما تلك التي لم تتواءم مع البيئة المحيطة فقد انكسرت و تلاشت كما ينكسر الغصن الجاف الذي لا يستطيع الانثناء في وجه الرياح العاتية و تذروه الرياح في كل مكان.
لقد ورثت الخلايا حقيقية النوى عن تلك الخلايا سائبة النوى عملية التمثيل الضوئي و هي العملية التي أدت في النهاية و مع تزايد الأحياء التي تستخدمها في عملياتها الايضية إلى حقن جو الأرض بالأكسجين , و لذلك فنحن مدينون لنشاط السيانوبكتريا – سادة الأرض آنذاك- بهذه البيئة الغنية بالأكسجين والصالحة لحياتنا فقد انطلاق الأكسجين في الغلاف الجوى إلى تكوين طبقة من غاز الأوزون , و قد عملت هذه الطبقة على امتصاص الأشعة فوق البنفسجية – المدمرة للخلايا الحية- و بالتالي إيقاف نشاطها التدميرى على الأحياء البدائية و إتاحة هامش أمان أوسع لها مكن بعض الأحياء الجسورة منها من مغادرة البحار الدافئة لأول مرة لتبحث عن أماكن أخرى على اليابسة الجافة تصلح للحياة . و هكذا اتسع نطاق تنوع الكائنات الحية بصورة غير مسبوقة . كما قدمت عملية التنفس الهوائي للبكتريا التي تستخدم الأكسجين قدرة اكبر على توليد الطاقة فبينما تنتج البكتريا اللاهوائية وحدتين فقط من الطاقة من تخمير جزئ السكر ,فان البكتريا الهوائية تستخدم الأكسجين للحصول على 36 وحدة من الطاقة من نفس الجزيء. و هو الأمر الذي مهد لتنوع الكائنات الحية و توفير الطاقة اللازمة لنموها في الحجم و تكوين أعضاء صلبة .
و من المرجح ان الفيروسات قد ظهرت بعد ظهور الخلايا الحية لأن الفيروسات تحيا متطفلة على الخلايا الحية و لا يمكنها ان تتكاثر بمفردها و إنما تتولى سلطة الأيض في الخلية الحية قسرا و تسخرها لنسخ جزيئات الفيروس فقط , وفى ذلك هلاك الخلية الحية ونجاة الفيروس.
الانفجار الكمبرى:
لقد كان التكاثر بالانقسام هو وسيلة التكاثر الوحيدة في الكائنات البدائية فكان كل كائن عند مرحلة معينة من نموه ينقسم إلى جزيئين متماثلين في الشكل و الوظيفة يكرران دورة الحياة ذاتها. على الرغم من ان هذه الكائنات كانت- بمعنى من المعاني- خالدة – لا يدركها الموت بفعل الشيخوخة ,فإنها كانت عاجزة عن مواجهة أي تغيرات في البيئة المحيطة , كانت كفيلة بإهلاك النوع كله و ليس فقط الأفراد المتمسحين بعباءة الخلود الزائف. فعندما أوشك الحساء العضوي الذي تتغذى عليه هذه الكائنات في البحار البدائية على النفاذ ، تعرضت هذه الكائنات لخطر الفناء التام ولم تكن وسيلتها في التكاثر التي تمنحها نوعا من الخلود المشروط لتغنى عنها شيئا في مواجهة الأيام العصيبة التي كان عليها أن تواجهها حتما. فكان أن ابتكرت بعض الخلايا البكتيرية منذ نحو مليوني عام – الجنس – الذي كان بمثابة طوق النجاة الذي سيتمكن من انتشال الأحياء من الشرك الذي وقعت فيه . فتمكن لأول مرة كائنين مختلفين من تبادل أجزاء من الشفرة الوراثية الخاصة بهما لينتج كائنا هجينا منهما يمتلك مميزات إضافية مكنته من إيجاد طرق ووسائل جديدة للحياة . و بينما كانت الكائنات المتعلقة بأذيال فكرة الخلود الكاذب تضوي و تموت كانت الكائنات التي ضحت بفكرة الخلود تستمتع بممارساتها الجنسية التي تقدم لنوعها فرصة البقاء بل و التطور بسرعة و شغل مواقع أيكولوجية جديدة لم يكن أسلافهم يحلمون بها في ألذ أحلامهم – إذا جاز لنا ان نتصور انه كانت لهذه الكائنات البدائية القدرة على الاستمتاع بالأحلام- .و بالفعل تسارعت الإمكانيات التطورية لهذه الأحياء بفعل كل العوامل السابقة مجتمعة – وفرة الأكسجين , تكون الأوزون , ظهور التكاثر الجنسي ..الخ- فظهر التحفير على نحو مفاجئ منذ نحو 600 مليون سنة فقط ‍‍‍‍‍‍ مع بداية العصر الكمبرى و انكسار سيطرة الطحالب على الأرض.
لقد استغرق عصر ما قبل الكمبرى نحو 88% من كل الزمن الجيولوجي للأرض حيث استمر قرابة أربعة بلايين عام . و بناء على ذلك فان الزمن المتاح للتطور ما قبل الخلوي – الذي نعتبره اصعب المراحل- لن يزيد على بليون عام , و في المقابل نجد أن الزمن اللازم لكي تخطو الأحياء وحيدة الخلية الخطوة الحاسمة التالية يبلغ نحو بليونين من السنين. في حين يبلغ عمر اقدم الثدييات نحو 200 مليون سنة فقط , و كانت في البداية عبارة عن حيوانات ليلية آكلة للحشرات . و مع الانقراض المفاجئ للديناصورات منذ نحو 60 مليون سنة انتشرت الثدييات لتشغل كل المواقع الأيكولوجية التي كانت تشغلها تلك الكائنات البائدة .
و منذ اقل من 35 ألف سنة فقط ظهر الإنسان العاقلHOMO SAPIENS إلى مسرح الوجود و تسيدت زراريه الأرض و ها هو أحد أحفاده يجلس الآن مستمتعا بقراءة تاريخه الطويل الحافل بكل ما هو نادر و عجيب و حافل بما يثير في نفسه اليقين بقدسية الحياة و بعظمة الخالق سبحانه و بمدى بلاغة قوله تعالى: "إنما يخشى الله من عباده العلماء"
KHAIRI ABDEL GHANI
الرد
شكر من طرف :
#2
كلمة مشكور قليلة جدا لمثل هذه المواضيع القيمة
حفظك الله اخى الطيب من كل شر
وادام عليك نعمة العلم والعقل والصحة والخير والسعادة

تقبل مرورى المتواضع
الرد
شكر من طرف :


التنقل السريع :


يقوم بقرائة الموضوع: بالاضافة الى ( 3 ) ضيف كريم