2007-05-14, 06:34 PM
الله غني عن عبادتنا.. فلماذا خلقنا؟
السؤال
هنالك سؤال يلح علي خصوصاً عند قراءتي للآية: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وهو ما حاجة الله -سبحانه وتعالى- للعبادة؟ وإذا كانت الملائكة قد عبدت الله -عز وجل- قبل خلق البشر، فلماذا خلق البشر؟ (أجد نفسي أجيب عن هذا السؤال تحديداً بأن الملائكة قد جبلت على الطاعة فقط، بعكس الإنسان الذي إن شاء آمن وإن شاء كفر، ولكن هذه الإجابة أجدها تعيدني للسؤال الأول: "ما حاجته سبحانه من خلقه للمخلوقات لكي يعبدوه"؟ فهل هناك إجابة شافية لهذا السؤال؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة في العقائد
التاريخ 21/06/1426هـ
الحمد لله، قد بيّن سبحانه وتعالى حكمته من خَلقِ السماوات والأرض، وخلقِ ما على الأرض وخَلقِ الموتِ والحياة، وهي الابتلاء للجن والإنس، كما قال سبحانه وتعالى: "وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" [هود: 7]، وقال تعالى: "إنا جعلنا ما على الأرض زينةً لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً"[الكهف: 7]، وقال تعالى: "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" [الملك: 2]. فعُلم من هذه الآياتِ أن الله خلق ما خلق لابتلاء العباد ليتبين من يكونُ منهم أحسنَ عملاً، ويظهرُ ذلك في الواقع حقيقة موجودة، بل بيّن سبحانه في كتابه أن ما يجري في الوجود من النعم والمصائب لنفس الحكمة وهي الابتلاء الذي يُذكر أحياناً بلفظ الفتنة، قال الله تعالى: "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" [الأنبياء: 35]، وقال تعالى: "أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" [العنكبوت: 2].فبهذا الابتلاءِ يتبينُ الصادقُ من الكاذبِ، والمؤمن من الكافر مما هو معلوم للرب قبل ظهوره في الواقع، وقد أخبر سبحانه وتعالى في موضع من القرآن أنه خلقَ الناسَ ليختلفوا ويكونُ منهم المؤمن والكافر، ويترتبُ على ذلك ما يترتبُ من ابتلاءِ الفريقين بعضهم ببعض، قال تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم"[هود: 117، 118]، وقال تعالى: "وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين" [الأنعام: 53]. وقال تعالى: "ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض" [محمد: 4].
وبيّن سبحانه وتعالى أن من حكمته في القتال بين المؤمنين والكافرين ومداولة الأيامِ ما ذكره في قوله: "وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين" [آل عمران: 140- 141].
وأما قوله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات: 56] فقد قيل: إن المعنى لآمرهم وأنهاهم فيعبدوني، وأمره ونهيه سبحانه وتعالى هو ما بعث به رسله، وفي هذا ابتلاء للعباد يكشف به حقائقهم حتى يميز الله الخبيث من الطيب، قال تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء" [إبراهيم: 4]، وقال تعالى: "وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم" [آل عمران: 179].
وقد ذكر سبحانه أن من حكمته من خلق السماوات والأرض أن يعلم العباد كمال علمه وقدرته قال تعالى: "الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما" [الطلاق: 12] ولم يكن خلقُ الله لآدم أو للجن والإنس لحاجةٍ به إليهم ولا لحاجةٍ إلى عبادتهم –كما توهم السائل- بل لا حاجةَ به إلى عبادة الملائكة ولا غيرهم؛ لأنه الغني بذاته عن كل ما سواه، لكنه تعالى يحب من عباده أن يعبدوه ويطيعوه، وعبادته هي محبته والذل لـه والافتقار إليه سبحانه، ونفع ذلك عائد إليهم.
كما جاء في الحديث القدسي: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخْيَط إذا أدخل البحر" رواه مسلم (2577).
وقول السائل: (إذا كانت الملائكة قد عبدتِ -اللهَ عز وجل- قبل خلق البشر، فلماذا خُلق البشر؟)
جوابه في قوله تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفةً قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون" [البقرة: 30]، فقوله تعالى: "إني أعلم ما لا تعلمون" يتضمن أن لـه حكمة في خلق آدم واستخلافه في الأرض، وإن كان يحصل من بعض ذريته ما يحصل من الإفساد وسفك الدماء، قال تعالى: "إني أعلم ما لا تعلمون" إلى قوله عن الملائكة: "قالوا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم" [البقرة: 31-32] ففوضت الملائكة الأمر إلى علمه وحكمته "إنك أنت العليم الحكيم".
فقد تبين مما تقدم أن قول السائل: "نحن المسلمين نعلم أن الإنسان خُلق لسبب واحد وهو عبادة الله وحده" ليس بصحيح؛ لأن الله بيّن أنه خلق الجن والإنس لعبادته، وليبتليهم بأنواع الابتلاء، وليعرفوه بأسمائه وصفاته كما تقدم ذكر ما يدل على ذلك كله، والله أعلم
السؤال
هنالك سؤال يلح علي خصوصاً عند قراءتي للآية: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وهو ما حاجة الله -سبحانه وتعالى- للعبادة؟ وإذا كانت الملائكة قد عبدت الله -عز وجل- قبل خلق البشر، فلماذا خلق البشر؟ (أجد نفسي أجيب عن هذا السؤال تحديداً بأن الملائكة قد جبلت على الطاعة فقط، بعكس الإنسان الذي إن شاء آمن وإن شاء كفر، ولكن هذه الإجابة أجدها تعيدني للسؤال الأول: "ما حاجته سبحانه من خلقه للمخلوقات لكي يعبدوه"؟ فهل هناك إجابة شافية لهذا السؤال؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة في العقائد
التاريخ 21/06/1426هـ
الحمد لله، قد بيّن سبحانه وتعالى حكمته من خَلقِ السماوات والأرض، وخلقِ ما على الأرض وخَلقِ الموتِ والحياة، وهي الابتلاء للجن والإنس، كما قال سبحانه وتعالى: "وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" [هود: 7]، وقال تعالى: "إنا جعلنا ما على الأرض زينةً لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً"[الكهف: 7]، وقال تعالى: "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" [الملك: 2]. فعُلم من هذه الآياتِ أن الله خلق ما خلق لابتلاء العباد ليتبين من يكونُ منهم أحسنَ عملاً، ويظهرُ ذلك في الواقع حقيقة موجودة، بل بيّن سبحانه في كتابه أن ما يجري في الوجود من النعم والمصائب لنفس الحكمة وهي الابتلاء الذي يُذكر أحياناً بلفظ الفتنة، قال الله تعالى: "ونبلوكم بالشر والخير فتنة" [الأنبياء: 35]، وقال تعالى: "أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" [العنكبوت: 2].فبهذا الابتلاءِ يتبينُ الصادقُ من الكاذبِ، والمؤمن من الكافر مما هو معلوم للرب قبل ظهوره في الواقع، وقد أخبر سبحانه وتعالى في موضع من القرآن أنه خلقَ الناسَ ليختلفوا ويكونُ منهم المؤمن والكافر، ويترتبُ على ذلك ما يترتبُ من ابتلاءِ الفريقين بعضهم ببعض، قال تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم"[هود: 117، 118]، وقال تعالى: "وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين" [الأنعام: 53]. وقال تعالى: "ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض" [محمد: 4].
وبيّن سبحانه وتعالى أن من حكمته في القتال بين المؤمنين والكافرين ومداولة الأيامِ ما ذكره في قوله: "وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين" [آل عمران: 140- 141].
وأما قوله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" [الذاريات: 56] فقد قيل: إن المعنى لآمرهم وأنهاهم فيعبدوني، وأمره ونهيه سبحانه وتعالى هو ما بعث به رسله، وفي هذا ابتلاء للعباد يكشف به حقائقهم حتى يميز الله الخبيث من الطيب، قال تعالى: "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء" [إبراهيم: 4]، وقال تعالى: "وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم" [آل عمران: 179].
وقد ذكر سبحانه أن من حكمته من خلق السماوات والأرض أن يعلم العباد كمال علمه وقدرته قال تعالى: "الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما" [الطلاق: 12] ولم يكن خلقُ الله لآدم أو للجن والإنس لحاجةٍ به إليهم ولا لحاجةٍ إلى عبادتهم –كما توهم السائل- بل لا حاجةَ به إلى عبادة الملائكة ولا غيرهم؛ لأنه الغني بذاته عن كل ما سواه، لكنه تعالى يحب من عباده أن يعبدوه ويطيعوه، وعبادته هي محبته والذل لـه والافتقار إليه سبحانه، ونفع ذلك عائد إليهم.
كما جاء في الحديث القدسي: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخْيَط إذا أدخل البحر" رواه مسلم (2577).
وقول السائل: (إذا كانت الملائكة قد عبدتِ -اللهَ عز وجل- قبل خلق البشر، فلماذا خُلق البشر؟)
جوابه في قوله تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفةً قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون" [البقرة: 30]، فقوله تعالى: "إني أعلم ما لا تعلمون" يتضمن أن لـه حكمة في خلق آدم واستخلافه في الأرض، وإن كان يحصل من بعض ذريته ما يحصل من الإفساد وسفك الدماء، قال تعالى: "إني أعلم ما لا تعلمون" إلى قوله عن الملائكة: "قالوا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم" [البقرة: 31-32] ففوضت الملائكة الأمر إلى علمه وحكمته "إنك أنت العليم الحكيم".
فقد تبين مما تقدم أن قول السائل: "نحن المسلمين نعلم أن الإنسان خُلق لسبب واحد وهو عبادة الله وحده" ليس بصحيح؛ لأن الله بيّن أنه خلق الجن والإنس لعبادته، وليبتليهم بأنواع الابتلاء، وليعرفوه بأسمائه وصفاته كما تقدم ذكر ما يدل على ذلك كله، والله أعلم