تحديث آخر نسخة 1.8.37

تقييم الموضوع :
  • 0 أصوات - بمعدل 0
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
موسوعة قصص الأنبياء ،،
#1
Icon11 
الحمد لله رب العالمين
و الصلاة و السلام على المبعوث رحمة للعالمين
و على آله و صحبه و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
موسوعة قصص الانبياء كما وردت ذكرهم
في القرآن الكريم
وعلى بركة الله نبدأ مع أول نبي وهو :


"آدم عليه السلام وهو أول الرسل عليهم السلام "

خلق الله السماوات والأرض في سبعة أيام ثم استوى على العرش.
و شاءت إرادة الله أن يخلق آدم خليفة للأرض يقوم بتعميرها وإعلاء
اسم الله عليها. فخشيت الملائكة من أن خلق آدم كان
بسبب تقصير منهم لذلك قالوا :- انا هنا يا ربنا دائبون على تسبيحك
و تهليلك فلما تخلق يا ربنا غيرنا؟ فلعل هؤلاء الذين تستخلفهم
في الأرض يقومون بما لا يرضيك من سفك الدماء و نشر الفساد
( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك و نقدس لك )
(البقرة 30) فرد عليهم برد أثلج صدورهم ( إني اعلم ما لا تعلمون)
(البقرة 30) فالله لا يخلق شيئا إلا لحكمة و بما أنه خالقه فهو أعلم به.
( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) الحجر 29
بعد أن خلق الله آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له فخروا له
ساجدين إلا إبليس أبى وأستكبر و كان من الكافرين. توجه الله
بالسؤال لإبليس فقال:- ( قال يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين "؟ (الحجر 32)
زعم إبليس أنه أفضل خلقة من آدم لأنه خلق من نار وآدم قد خلق من تراب،
ولذا فهو الأرقى ولا يستحق آدم بذلك أن يسجد له،
وهكذا قد جهر إبليس بالعصيان فعاقبه الله بأن أخرجه من الجنة وحلت
عليه اللعنة إلى يوم الدين، فتوجه إبليس إلى ربه وطلب منه أن
يمهله إلى يوم القيامة و يطيل في عمره فرد الله عليه
" فانك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم " الحجر 37، 38

لم يحمد إبليس ربه على هذه النعمة بل قال
" فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم " (الأعراف 16)
حتى يوقع بهم ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن
شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) (الأعراف 17) طرد الله إبليس
من رحمته و صرح له بعمل ما يشاء في طريق الشر
و (استفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك و شاركهم في الأموال والأولاد ).(الإسراء:64) أما عبادي الصالحين فليس لك عليهم من سلطان

سجد الملائكة لآدم و أقروا أنه خير مقاما منهم علم الله آدم
الأسماء كلها وأفاض الله عليه من علمه ثم عرض تلك المخلوقات
على الملائكة قائلا ( أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) (البقرة 31 ).
ليبين لهم مدى عجزهم و أن آدم أحق بالخلافة. و فعلا عجز الملائكة
عن الجواب واعترفوا بجهلهم
( وقالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ) (البقرة 32 )
فأمر الله آدم أن ينبأ الملائكة بما لم يتمكنوا من معرفته
و ناداهم قائلا:
( ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات و الأرض وأعلم ما تبدون و ما كنتم تكتمون ) (البقرة 33 )عندها أدركوا مدى حكمة الخالق.
ثم أدخل الله آدم و زوجه الجنة على أن
يخلدا فيها إن استمرا في طاعته وإن عصياه فالنار
مثواهما وصرح لهما بالأكل من أشجار الجنة كلها ما عدا شجرة
حرم عليهما ثمرها. عاش آدم و زوجه فترة من الزمن
عيشة هنيئة غير أن إبليس كان يفكر في
حيلة ليبعد آدم وزوجه عن الجنة
فقرر أن يوسوس لهما بالأكل من الشجرة التي نهيا عنها فقال
" ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين " (الأعراف20) ,
ولما وجد الصد منهما حاول أن يبين لهما أنه
لا يريد أن يضرهما و ضل يغريهما بريح الشجرة و لونها وطعمها
حتى أوقعهما في الفخ (وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة
وأقل لكما إن الشيطن لكما عدو مبين) (الأعراف22)
فاستغفرا ربهما وأيقنا بظلمهما لأنفسهما أنه
إذا لم يغفر لهما الله فسيكونون من الخاسرين.
(قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ) الأعراف24

ارتاحت نفسيهما لرضى الله
وصفحه عنهما ولكن كان جزاؤهم أن يهبطوا إلى الأرض
و حذرهما ربهما مرة أخرى من العداوة التي يكنها إبليس
لبني البشر و أنها قائمة إلى يوم الدين.
وهكذا سير الله لهما طريقا في الحياة
وأخبرهما أن وقت النعيم الدائم قد انتهى وأن هناك طريقين
( هدى وضلال، وإيمان وكفر) و أن من سلك الصراط المستقيم فله
الجنة و من سمع وساوس الشيطان و
ضل عن الصراط المستقيم فهو في نار جهنم خالدا فيها

-----------------
الرد
شكر من طرف :
#2
(( شيث عليه السلام ))


لما مات آدم عليه السلام قام بأعباء الأمر بعده
ولده شيث عليه السلام وكان نبياً. ومعنى شيث:
هبة الله، وسمياه بذلك لأنهما رزقاه بعد أن قتل هابيل.
فلما حانت وفاته أوصى إلى أبنه أنوش فقام بالأمر بعده،
ثم بعده ولده قينن ثم من بعده ابنه مهلاييل -
وهو الذي يزعم الأعاجم من الفرس أنه ملك الأقاليم السبعة،
وأنه أول من قطع الأشجار، وبنى المدائن
والحصون الكبار، وأنه هو الذي بنى مدينة بابل ومدينة السوس الأقصى
وأنه قهر إبليس وجنوده وشردهم
عن الأرض إلى أطرافها وشعاب جبالها وأنه قتل خلقاً من مردة
الجن والغيلان، وكان له تاج عظيم، وكان يخطب الناس
ودامت دولته أربعين سنة.

فلما مات قام بالأمر بعده ولده يرد فلما حضرته الوفاة أوصى
إلى ولده خنوخ، وهو إدريس عليه السلام
على المشهور.

....................................
الرد
شكر من طرف :
#3
(( إدريس عليه السلام ))

{ وأذكر في الكتاب إدريس، إنه كان صديقاً نبياً* ورفعناه مكانا عليا } (سورة مريم:56ـ57)

فإدريس عليه السلام قد أثنى الله عليه ووصفه بالنبوة
والصديقية، وهو "خنوع". وهو في عمود نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم
على ما ذكره غير واحد من علماء النسب.
وكان أول بني آدم أعطى النبوة بعد "آدم" و "شيث" عليهما السلام.
وذكر ابن إسحاق أنه أول من خط بالقلم، وقد أدرك من حياة
آدم ثلاثمائة سنة وثماني سنين. وقد قال
طائفة من الناس: إنه المشار إليه في حديث معاوية بن الحكم لما سأل
رسول الله صلى الله عليه عن الخط بالرمل فقال:
"إنه كان نبي يخط به، فمن وافق خطه فذاك".
ويزعم كثير من علماء التفسير والأحكام أنه أول من تكلم في ذلك،
ويسمونه هرمس الهرامسة، ويكذبون عليه أشياء كثيرة
كما كذبوا على غيره من الأنبياء
والعلماء والحكماء والأولياء.
وقوله تعالى: (ورفعناه مكاناً عليا) وهو كما ثبت في الصحيحين
في حديث الإسراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مر به وهو في السماء الرابعة.
وقد روى ابن جرير عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب،
عن جرير بن حازم، عن الأعمش، عن شمر بن عطية،
عن هلال بن يساف، قال: سأل ابن عباس كعباً ـ
وأنا حاضرـ فقال له: ما قول الله تعالى لإدريس: (ورفعناه مكاناً عليا)؟
فقال كعب: أما إدريس فإن الله أوحى إليه: إني أرفع لك كل يوم
مثل جميع عمل بني آدم ـ لعله من أهل زمانه ـ فأحب أن يزداد عملاً، فأتاه
خليل له من الملائكة فقال: إن الله أوحى إلي كذا وكذا،
فكلم ملك الموت حتى أزداد عملاً، فحمله بين جناحيه ثم صعد به إلي السماء،
فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت
منحدراً فكلم ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس، فقال: وأين إدريس؟
قال هو ذا على ظهري، فقال ملك الموت: يا للعجب! بعثت
وقيل لي أقبض روح إدريس في السماء الرابعة،
فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض؟!
فقبض روحه هناك. فذلك قول الله عز وجل:
(ورفعناه مكاناً عليا).
ورواه ابن أبي حاتم عند تفسيرها. وعنده: فقال لذلك الملك:
سل في ملك الموت كم بقى من عمري؟
فسأله وهو معه: كم بقى من عمره؟ فقال لا أدري حتى أنظر،
فنظر فقال: إنك لتسألني عن رجل ما بقى من عمره
إلا طرفة عين، فنظر الملك إلي تحت جناحه إلي
إدريس فإذا هو قد قبض وهو لا يشعر.
وهذا من الإسرائيليات، وفي بعضه نكارة.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: (ورفعناه مكاناً عليا)
قال: إدريس رفع ولم يمت كما رفع عيسى.
إن أراد أنه لم يمت إلي الآن ففي هذا نظر،
وإن أراد أنه رفع حياً إلي السماء ثم قبض هناك، فلا ينافي ما تقدم
عن كعب الأحبار. والله أعلم.
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: (ورفعناه مكاناً عليا):
رفع إلي السماء السادس فمات بها، وهكذا قال الضحاك. والحديث
المتفق عليه من أنه في السماء الرابعة أصح، وهو قول مجاهد وغير واحد.
وقال الحسن البصري: (ورفعناه مكاناً عليا) وقال: إلي الجنة.
وقال قائلون: رفع في حياة أبيه "يرد بن مهلاييل" فالله أعلم.
وقد زعم بعضهم أن إدريس لم يكن قبل نوح؛ بل في زمانه بني إسرائيل.
قال البخاري: ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن
إلياس هو إدريس، واستأنسوا في ذلك بما جاء في
حديث الزهري عن أنس في الإسراء: أنه مر به عليه السلام قال له:
مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ولم يقل كما
قال آدم وإبراهيم: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح.
قالوا: فلو كان في عمود نسبه لقال كما قالا له.
وهذا لا يدل، ولابد لأنه قال لا يكون الراوي حفظه جيداً، أو
لعله قال على سبيل الهضم والتواضع، ولم ينتصب له في مقام الأبوة
كما انتصب لآدم أبو البشر، وإبراهيم الذي هو خليل الرحمن
وأكبر أولى العزم بعد محمد، صلوات الله
وسلامه عليهم أجمعين
الرد
شكر من طرف :
#4
(( نــــــوح عليه السلام ))

نبذة:

كان نوح تقيا صادقا أرسله الله ليهدي قومه وينذرهم عذاب الآخرة
ولكنهم عصوه وكذبوه، ومع ذلك استمر يدعوهم
إلى الدين الحنيف فاتبعه قليل من الناس،
واستمر الكفرة في طغيانهم فمنع الله عنهم المطر ودعاهم نوح أن يؤمنوا
حتى يرفع الله عنهم العذاب فآمنوا فرفع الله عنهم العذاب
ولكنهم رجعوا إلى كفرهم، وأخذ يدعوهم 950 سنة
ثم أمره الله ببناء السفينة وأن يأخذ معه زوجا من كل نوع ثم
جاء الطوفان فأغرقهم أجمعين.


سيرته:

حال الناس قبل بعثة نوح:

قبل أن يولد قوم نوح عاش خمسة رجال صالحين من
أجداد قوم نوح، عاشوا زمنا ثم ماتوا، كانت أسماء الرجال الخمسة هي:
(ودَّ، سُواع، يغوث، يعوق، نسرا).
بعد موتهم صنع الناس لهم تماثيل في مجال الذكرى والتكريم،
ومضى الوقت.. ومات الذين نحتوا التماثيل.. وجاء أبنائهم..
ومات الأبناء وجاء أبناء الأبناء.. ثم نسجت قصصا وحكايات
حول التماثيل تعزو لها قوة خاصة..
واستغل إبليس الفرصة،
وأوهم الناس أن هذه تماثيل آلهة تملك النفع وتقدر على الضرر..
وبدأ الناس يعبدون هذه التماثيل.

إرسال نوح عليه السلام:

كان نوح كان على الفطرة مؤمنا بالله تعالى
قبل بعثته إلى الناس. وكل الأنبياء مؤمنون بالله تعالى قبل بعثتهم.
وكان كثير الشكر لله عزّ وجلّ. فاختاره الله لحمل الرسالة.
فخرج نوح على قومه وبدأ دعوته:

{ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }

بهذه الجملة الموجزة وضع نوح قومه أمام حقيقة الألوهية..
وحقيقة البعث. هناك إله خالق وهو وحده الذي يستحق العبادة..
وهناك موت ثم بعث ثم يوم للقيامة. يوم عظيم، فيه عذاب يوم عظيم.شرح "نوح"
لقومه أنه يستحيل أن يكون هناك غير إله واحد هو الخالق.
أفهمهم أن الشيطان قد خدعهم زمنا طويلا، وأن الوقت قد جاء ليتوقف هذا الخداع،
حدثهم نوح عن تكريم الله للإنسان. كيف خلقه،
ومنحه الرزق وأعطاه نعمة العقل، وليست عبادة الأصنام
غير ظلم خانق للعقل.

تحرك قوم نوح في اتجاهين بعد دعوته.
لمست الدعوة قلوب الضعفاء والفقراء والبؤساء،
وانحنت على جراحهم وآلامهم بالرحمة..
أما الأغنياء والأقوياء والكبراء، تأملوا الدعوة بعين الشك…
ولما كانوا يستفيدون من بقاء الأوضاع
على ما هي عليه..
فقد بدءوا حربهم ضد نوح.

في البداية اتهموا نوحا بأنه بشر مثلهم:

{ فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا }

قال تفسير القرطبي: الملأ الذين كفروا من قومه هم الرؤساء
الذين كانوا في قومه. يسمون الملأ
لأنهم مليئون بما يقولون.

قال هؤلاء الملأ لنوح: أنت بشر يا نوح.

رغم أن نوحا لم يقل غير ذلك،
وأكد أنه مجرد بشر.. والله يرسل إلى الأرض رسولا من البشر،
لأن الأرض يسكنها البشر، ولو كانت الأرض تسكنها الملائكة لأرسل الله
رسولا من الملائكة.. استمرت الحرب بين
الكافرين ونوح.

في البداية، تصور الكفرة يومها أن دعوة نوح
لا تلبث أن تنطفئ وحدها، فلما وجدوا الدعوة
تجتذب الفقراء والضعفاء وأهل الصناعات البسيطة
بدءوا الهجوم على نوح من هذه الناحية. هاجموه في أتباعه،
وقالوا له: لم يتبعك غير الفقراء والضعفاء والأراذل.

هكذا اندلع الصراع بين نوح ورؤساء قومه.
ولجأ الذين كفروا إلى المساومة. قالوا لنوح: اسمع يا نوح.
إذا أردت أن نؤمن لك فاطرد الذين آمنوا بك. إنهم ضعفاء
وفقراء، ونحن سادة القوم وأغنياؤهم.. ويستحيل أن تضمنا
دعوة واحدة مع هؤلاء.

واستمع نوح إلى كفار قومه وأدرك أنهم يعاندون،
ورغم ذلك كان طيبا في رده. أفهم قومه أنه لا يستطيع أن يطرد المؤمنين،
لأنهم أولا ليسوا ضيوفه، إنما هم ضيوف الله..
وليست الرحمة بيته الذي يدخل فيه من يشاء أو يطرد منه من يشاء،
إنما الرحمة بيت الله الذي يستقبل فيه من يشاء.

كان نوح يناقش كل حجج الكافرين
بمنطق الأنبياء الكريم الوجيه. وهو منطق الفكر الذي
يجرد نفسه من الكبرياء
الشخصي وهوى المصالح الخاصة.

قال لهم إن الله قد آتاه الرسالة والنبوة والرحمة.
ولم يروا هم ما آتاه الله، وهو بالتالي لا يجبرهم على الإيمان
برسالته وهم كارهون. إن كلمة لا إله إلا الله لا تفرض
على أحد من البشر. أفهمهم أنه لا يطلب منهم مقابلا لدعوته،
لا يطلب منهم مالا فيثقل عليهم، إن أجره على الله،
هو الذي يعطيه ثوابه. أفهمهم أنه
لا يستطيع أن يطرد الذين آمنوا بالله، وأن له حدوده كنبي.
وحدوده لا تعطيه حق طرد المؤمنين لسببين:
أنهم سيلقون الله مؤمنين به فكيف يطرد مؤمنا بالله؟
ثم أنه لو طردهم لخاصموه عند الله، ويجازي من طردهم، فمن الذي
ينصر نوحا من الله لو طردهم؟ وهكذا انتهى
نوح إلى أن مطالبة قومه له بطرد المؤمنين جهل منهم.

وعاد نوح يقول لهم أنه لا يدعى لنفسه أكثر مما له من حق،
وأخبرهم بتذللـه وتواضعه لله عز وجل، فهو لا يدعي لنفسه
ما ليس له من خزائن الله، وهي إنعامه على من
يشاء من عباده، وهو لا يعلم الغيب، لأن الغيب علم اختص الله تعالى
وحده به. أخبرهم أيضا أنه ليس ملكا. بمعنى أن منزلته
ليست كمنزلة الملائكة.. قال لهم نوح: إن الذين
تزدري أعينكم وتحتقر وتستثقل.. إن هؤلاء
المؤمنين الذي تحتقرونهم لن
تبطل أجورهم وتضيع لاحتقاركم لهم، الله أعلم
بما في أنفسهم. هو الذي يجازيهم عليه ويؤاخذهم به..
أظلم نفسي لو قلت إن الله لن يؤتيهم خيرا.

وسئم الملأ يومها من هذا الجدل الذي يجادله نوح..
حكى الله موقفهم منه في سورة (هود):

{ قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (33) وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) (هود) }

أضاف نوح إغواءهم إلى الله تعالى. تسليما بأن الله
هو الفاعل في كل حال. غير أنهم
استحقوا الضلال
بموقفهم الاختياري وملئ حريتهم وكامل إرادتهم..
فالإنسان صانع لأفعاله ولكنه محتاج في صدورها عنه إلى ربه.
بهذه النظرة يستقيم معنى مساءلة الإنسان عن أفعاله. كل ما في
الأمر أن الله ييسر كل مخلوق لما خلق له، سواء أكان
التيسير إلى الخير أم إلى الشر.. وهذا من تمام الحرية وكمالها.
يختار الإنسان بحريته فييسر له الله تعالى طريق ما اختاره. اختار
كفار قوم نوح طريق الغواية فيسره الله لهم.

وتستمر المعركة، وتطول المناقشة بين الكافرين من قوم
نوح وبينه إذا انهارت كل حجج الكافرين ولم يعد لديهم ما يقال،
بدءوا يخرجون عن حدود الأدب ويشتمون نبي الله:

{ قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (60)} (الأعراف)

ورد عليهم نوح بأدب الأنبياء العظيم:

{ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ
(61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (62) }(الأعراف)

ويستمر نوح في دعوة قومه إلى الله. ساعة بعد ساعة.
ويوما بعد يوم. وعاما بعد عام. ومرت الأعوام ونوح يدعو قومه.
كان يدعوهم ليلا ونهارا، وسرا وجهرا، يضرب لهم الأمثال.
ويشرح لهم الآيات ويبين لهم قدرة الله في الكائنات،
وكلما دعاهم إلى الله فروا منه، وكلما
دعاهم ليغفر الله لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستكبروا عن سماع الحق.
واستمر نوح يدعو قومه إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما.

وكان يلاحظ أن عدد المؤمنين لا يزيد، بينما يزيد عدد الكافرين.
وحزن نوح غير أنه لم يفقد الأمل،
وظل يدعو قومه ويجادلهم، وظل قومه على الكبرياء والكفر والتبجح.
وحزن نوح على قومه. لكنه لم يبلغ درجة اليأس. ظل محتفظا بالأمل طوال 950 سنة.
ويبدو أن أعمار الناس قبل الطوفان كانت طويلة،
وربما يكون هذا العمر الطويل لنوح معجزة خاصة له.

وجاء يوم أوحى الله إليه، أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن.
أوحى الله إليه ألا يحزن عليهم. ساعتها دعا نوح على الكافرين بالهلاك:

{ وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) }

برر نوح دعوته بقوله:

{ إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (26) }

الرد
شكر من طرف :
#5
الطوفان:


ثم أصدر الله تعالى حكمه على الكافرين بالطوفان.
أخبر الله تعالى عبده نوحا أنه سيصنع سفينة (بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا)
أي بعلم الله وتعليمه، وعلى مرأى منه وطبقا لتوجيهاته ومساعدة الملائكة.
أصدر الله تعالى أمره إلى نوح: (وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ)
يغرق الله الذين ظلموا مهما كانت أهميتهم أو قرابتهم للنبي،
وينهى الله نبيه أن يخاطبه أو يتوسط لهم.

وبدأ نوح يغرس الشجر ويزرعه ليصنع منه السفينة. انتظر سنوات،
ثم قطع ما زرعه، وبدأ نجارته. كانت سفينة عظيمة الطول والارتفاع والمتانة،
وقد اختلف المفسرون في حجمها، وهيئتها، وعدد طبقاتها،
ومدة عملها، والمكان الذي عملت فيه، ومقدار طولها، وعرضها،
على أقوال متعارضة لم يصح منها شيء. وقال الفخر الرازي في هذا كله:
أعلم أن هذه المباحث لا تعجبني،
لأنها أمور لا حاجة إلى معرفتها البتة، ولا يتعلق بمعرفتها فائدة أصلا.
نحن نتفق مع الرازي في مقولته هذه.
فنحن لا نعرف عن حقيقة هذه السفينة إلا ما حدثنا الله به.
تجاوز الله تعالى هذه التفصيلات التي لا أهمية لها،
إلى مضمون القصة ومغزاها المهم.

بدأ نوح يبني السفينة، ويمر عليه الكفار فيرونه منهمكا في صنع السفينة،
والجفاف سائد، وليست هناك أنهار قريبة أو بحار.
كيف ستجري هذه السفينة إذن يا نوح؟ هل ستجري على الأرض؟
أين الماء الذي يمكن أن تسبح فيه سفينتك؟ لقد جن نوح،
وترتفع ضحكات الكافرين وتزداد سخريتهم من نوح.
وكانوا يسخرون منه قائلين:
صرت نجارا بعد أن
كنت نبيا!

إن قمة الصراع في قصة نوح تتجلى في هذه المساحة الزمنية،
إن الباطل يسخر من الحق. يضحك عليه طويلا،
متصورا أن الدنيا ملكه، وأن الأمن نصيبه، وأن العذاب غير واقع..
غير أن هذا كله مؤقت بموعد حلول الطوفان.
عندئذ يسخر المؤمنون من الكافرين،
وتكون سخريتهم هي الحق.

انتهى صنع السفينة، وجلس نوح ينتظر أمر الله.
أوحى الله إلى نوح أنه إذا فار التنور هذا علامة على بدء الطوفان.
قيل في تفسير التنور أنه بركان في المنطقة،
وقيل أن الفرن الكائن في بيت نوح،
إذا خرج منه الماء وفار كان هذا أمرا لنوح بالحركة.

وجاء اليوم الرهيب،
فار التنور. وأسرع نوح يفتح سفينته ويدعو المؤمنين به،
وهبط جبريل عليه السلام إلى الأرض.
حمل نوح إلى السفينة من كل حيوان وطير ووحش زوجين اثنين،
بقرا وثورا، فيلا وفيلة، عصفورا وعصفور، نمرا ونمرة،
إلى آخر المخلوقات. كان نوح قد صنع أقفاصا للوحوش وهو يصنع السفينة.
وساق جبريل عليه السلام أمامه من كل زوجين اثنين،
لضمان بقاء نوع الحيوان والطير على الأرض،
وهذا معناه أن الطوفان أغرق الأرض كلها،
فلولا ذلك ما كان هناك معنى لحمل هذه الأنواع من الحيوان والطير.
وبدأ صعود السفينة. صعدت الحيوانات والوحوش والطيور،
وصعد من آمن بنوح، وكان عدد المؤمنين قليلا.

لم تكن زوجة نوح مؤمنة به فلم تصعد،
وكان أحد أبنائه يخفي كفره ويبدي الإيمان أمام نوح،
فلم يصعد هو الآخر. وكانت أغلبية الناس غير مؤمنة هي الأخرى،
فلم تصعد. وصعد المؤمنون. قال ابن عباس،
رضي الله عنهما: آمن من قوم نوح ثمانون إنسانا.

ارتفعت المياه من فتحات الأرض.
انهمرت من السماء أمطارا غزيرة بكميات لم تر مثلها الأرض.
فالتقت أمطار السماء بمياه الأرض، وصارت ترتفع ساعة بعد ساعة.
فقدت البحار هدوئها، وانفجرت أمواجها تجور على اليابسة،
وتكتسح الأرض.
وغرقت الكرة الأرضية للمرة الأولى في المياه.

ارتفعت المياه أعلى من الناس. تجاوزت قمم الأشجار،
وقمم الجبال، وغطت سطح الأرض كله. وفي بداية الطوفان نادى نوح ابنه.
كان ابنه يقف بمعزل منه. ويحكي لنا المولى
عز وجل الحوار القصير الذي دار بين
نوح عليه السلام وابنه قبل أن يحول بينهما الموج فجأة.

نادى نوح ابنه قائلا: { يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ }
ورد الابن عليه:{ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء }
عاد نوح يخاطبه: { قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ}

وانتهى الحوار بين نوح وابنه:

{ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ }


انظر إلى تعبير القرآن الكريم (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ) أنهى الموج حوارهما فجأة.
نظر نوح فلم يجد ابنه.
لم يجد غير جبال الموج التي ترتفع وترفع معها السفينة،
وتفقدها رؤية كل شيء غير المياه.
وشاءت رحمة الله أن يغرق الابن بعيدا عن عين الأب،
رحمة منه بالأب،
واعتقد نوح أن ابنه المؤمن تصور أن الجبل سيعصمه من الماء،
فغرق.

واستمر الطوفان. استمر يحمل سفينة نوح. بعد ساعات من بدايته،
كانت كل عين تطرف على الأرض قد هلكت غرقا.
لم يعد باقيا من الحياة والأحياء غير هذا الجزء الخشبي من سفينة نوح،
وهو ينطوي على الخلاصة المؤمنة من أهل الأرض.
وأنواع الحيوانات والطيور التي اختيرت بعناية.
ومن الصعب اليوم تصور هول الطوفان أو عظمته.
كان شيئا مروعا يدل على قدرة الخالق. كانت السفينة تجري بهم في موج كالجبال.
ويعتقد بعض العلماء الجيولوجيا اليوم إن انفصال القارات
وتشكل الأرض في صورتها الحالية، قد وقعا نتيجة طوفان قديم جبار،
ثارت فيه المياه ثورة غير مفهومة.
حتى غطت سطح الجزء اليابس من الأرض،
وارتفعت فيه قيعان المحيطات ووقع فيه ما نستطيع
تسميته بالثورة الجغرافية.

استمر طوفان نوح زمنا لا نعرف مقداره.
ثم صدر الأمر الإلهي إلى السماء أن تكف عن الإمطار،
وإلى الأرض أن تستقر وتبتلع الماء،
وإلى أخشاب السفينة أن ترسو على الجودي،
وهو اسم مكان قديم يقال أنه جبل في العراق.
طهر الطوفان الأرض وغسلها. قال تعالى في سورة (هود):

{ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ
وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) } (هود)

(وَغِيضَ الْمَاء) بمعنى نقص الماء وانصرف عائدا إلى فتحات الأرض.
(وَقُضِيَ الأَمْرُ) بمعنى أنه أحكم وفرغ منه، يعني هلك الكافرون من قوم نوح تماما.
ويقال أن الله أعقم أرحامهم أربعين سنة قبل الطوفان،
فلم يكن فيمن هلك طفل أو صغير. (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) بمعنى رست عليه،
وقيل كان ذلك يوم عاشوراء. فصامه نوح، وأمر من معه بصيامه.
(وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي هلاكا لهم.
طهر الطوفان الأرض منهم وغسلها.
ذهب الهول بذهاب الطوفان. وانتقل الصراع من الموج إلى نفس نوح..
تذكر ابنه الذي غرق.

لم يكن نوح يعرف حتى هذه اللحظة أن ابنه كافر.
كان يتصور أنه مؤمن عنيد، آثر النجاة باللجوء إلى جبل.
وكان الموج قد أنهى حوارهما قبل أن يتم.. فلم يعرف نوح حظ ابنه من الإيمان.
تحركت في قلب الأب عواطف الأبوة. قال تعالى في سورة (هود):

{ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ
وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)} (هود)

أراد نوح أن يقول لله أن ابنه من أهله المؤمنين.
وقد وعده الله بنجاة أهله المؤمنين. قال الله سبحانه وتعالى،
مطلعا نوحا على حقيقة ابنه للمرة الأولى:

{ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)} (هود)

قال القرطبي -نقلا عن شيوخه من العلماء-
وهو الرأي الذي نؤثره: كان ابنه عنده -أي نوح- مؤمنا في ظنه،
ولم يك نوح يقول لربه: (إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي
) إلا وذلك عنده كذلك، إذ محال أن يسأل هلاك الكفار،
ثم يسأل في إنجاء بعضهم. وكان ابنه يسرّ الكفر ويظهر الإيمان.
فأخبر الله تعالى نوحا بما هو منفرد به من علم الغيوب.
أي علمت من حال ابنك ما لم تعلمه أنت.
وكان الله حين يعظه أن يكون من الجاهلين،
يريد أن يبرئه من تصور أن يكون ابنه مؤمنا، ثم يهلك مع الكافرين.

وثمة درس مهم تنطوي عليه الآيات الكريمة التي
تحكي قصة نوح وابنه. أراد الله سبحانه وتعالى أن يقول لنبيه الكريم أن ابنه
ليس من أهله، لأنه لم يؤمن بالله، وليس الدم هو الصلة الحقيقية بين الناس.
ابن النبي هو ابنه في العقيدة. هو من يتبع الله والنبي،
وليس ابنه من يكفر به ولو كان من صلبه. هنا ينبغي أن يتبرأ المؤمن من غير المؤمن.
وهنا أيضا ينبغي أن تتصل بين المؤمنين صلات العقيدة فحسب.
لا اعتبارات الدم أو الجنس أو اللون أو الأرض.

واستغفر نوح ربه وتاب إليه ورحمه
الله وأمره أن يهبط من السفينة محاطا ببركة الله ورعايته.
وهبط نوح من سفينته. أطلق سراح الطيور والوحش فتفرقت في الأرض،
نزل المؤمنون بعد ذلك. ولا يحكي لنا القرآن الكريم قصة من آمن مع
نوح بعد نجاتهم من الطوفان.

الرد
شكر من طرف :
#6
(( هود عليه السلام ))

نبذة:

أرسل إلى قوم عاد الذين كانوا بالأحقاف،
وكانوا أقوياء الجسم والبنيان وآتاهم الله الكثير من رزقه ولكنهم لم
يشكروا الله على ما آتاهم وعبدوا الأصنام
فأرسل لهم الله هودا نبيا مبشرا، كان حكيما ولكنهم كذبوه وآذوه
فجاء عقاب الله وأهلكهم بريح صرصر عاتية
استمرت سبع ليال وثمانية أيام.

سيرته:

عبادة الناس للأصنام:

بعد أن ابتلعت الأرض مياه الطوفان الذي أغرق من كفر بنوح عليه السلام،
قام من آمن معه ونجى بعمارة الأرض.
فكان كل من على الأرض في ذلك الوقت من المؤمنين.
لم يكن بينهم كافر واحد. ومرت سنوات وسنوات.
مات الآباء والأبناء وجاء أبناء الأبناء. نسى الناس وصية نوح،
وعادت عبادة الأصنام. انحرف الناس عن عبادة الله وحده،
وتم الأمر بنفس الخدعة القديمة.

قال أحفاد قوم نوح: لا نريد أن ننسى آبائنا الذين نجاهم الله من الطوفان.
وصنعوا للناجين تماثيل ليذكروهم بها،
وتطور هذا التعظيم جيلا بعد جيل، فإذا الأمر ينقلب إلى العبادة،
وإذا بالتماثيل تتحول بمكر من الشيطان إلى آلهة مع الله.
وعادت الأرض تشكو من الظلام مرة ثانية.
وأرسل الله سيدنا هودا إلى قومه.

إرسال هود عليه السلام:

كان "هود" من قبيلة اسمها "عاد" وكانت هذه القبيلة تسكن مكانا يسمى الأحقاف..
وهو صحراء تمتلئ بالرمال، وتطل على البحر.
أما مساكنهم فكانت خياما كبيرة لها أعمدة شديدة الضخامة والارتفاع،
وكان قوم عاد أعظم أهل زمانهم في قوة الأجسام،
والطول والشدة.. كانوا عمالقة وأقوياء، فكانوا يتفاخرون بقوتهم.
فلم يكن في زمانهم أحد في قوتهم. ورغم ضخامة أجسامهم،
كانت لهم عقول مظلمة.
كانوا يعبدون الأصنام، ويدافعون عنها،
ويحاربون من أجلها، ويتهمون نبيهم ويسخرون منه.
وكان المفروض، ما داموا قد اعترفوا أنهم أشد الناس قوة،
أن يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة.

قال لهم هود نفس الكلمة التي يقولها كل رسول.
لا تتغير ولا تنقص ولا تتردد ولا تخاف ولا تتراجع.
كلمة واحدة هي الشجاعة كلها،
وهي الحق وحده (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ).

وسأله قومه: هل تريد أن تكون سيدا علينا بدعوتك؟
وأي أجر تريده؟

إن هذه الظنون السئية تتكرر على ألسنة الكافرين عندما يدعوهم
نبيهم للإيمان بالله وحده. فعقولهم الصغيرة لا تتجاوز الحياة الدنيوية.
ولا يفكروا إلا بالمجد والسلطة والرياسة.

أفهمهم هود أن أجره على الله، إنه لا يريد منهم شيئا
غير أن يغسلوا عقولهم في نور الحقيقة.
حدثهم عن نعمة الله عليهم، كيف جعلهم خلفاء لقوم نوح،
كيف أعطاهم بسطة في الجسم، وشدة في البأس،
كيف أسكنهم الأرض التي تمنح الخير والزرع.
كيف أرسل عليهم المطر الذي يحيى به الأرض.
وتلفت قوم هود حولهم فوجدوا أنهم أقوى من على الأرض،
وأصابتهم الكبرياء وزادوا في العناد.

قالوا لهود: كيف تتهم آلهتنا التي وجدنا آباءنا يعبدونها؟
قال هود: كان آباؤكم مخطئين.
قال قوم هود: هل تقول يا هود إننا بعد أن نموت ونصبح ترابا يتطاير في الهواء،
سنعود إلى الحياة؟
قال هود: ستعودون يوم القيامة،
ويسأل الله كل واحد فيكم عما فعل.

انفجرت الضحكات بعد هذه الجملة الأخيرة. ما أغرب ادعاء هود.
هكذا تهامس الكافرون من قومه.
إن الإنسان يموت، فإذا مات تحلل جسده،
فإذا تحلل جسده تحول إلى تراب، ثم يهب الهواء ويتطاير التراب.
كيف يعود هذا كله إلى أصله؟! ثم ما معنى وجود يوم للقيامة؟
لماذا يقوم الأموات من موتهم؟

استقبل هود كل هذه الأسئلة بصبر كريم..
ثم بدأ يحدث قومه عن يوم القيامة..
أفهمهم أن إيمان الناس بالآخرة ضرورة تتصل بعدل الله،
مثلما هي ضرورة تتصل بحياة الناس. قال لهم ما يقوله كل نبي عن يوم القيامة.
إن حكمة الخالق المدبر لا تكتمل بمجرد بدء الخلق،
ثم انتهاء حياة المخلوقين في هذه الأرض.
إن هذه الحياة اختبار، يتم الحساب بعدها.
فليست تصرفات الناس في الدنيا واحدة، هناك من يظلم،
وهناك من يقتل، وهناك من يعتدي..
وكثيرا ما نرى الظالمين يذهبون بغير عقاب،
كثيرا ما نرى المعتدين يتمتعون في الحياة بالاحترام والسلطة.
أين تذهب شكاة المظلومين؟ وأين يذهب ألم المضطهدين؟
هل يدفن معهم في التراب بعد الموت؟

إن العدالة تقتضي وجود يوم للقيامة.
إن الخير لا ينتصر دائما في الحياة. أحيانا ينظم الشر جيوشه ويقتل حملة الخير.
هل تذهب هذه الجريمة بغير عقاب؟

إن ظلما عظيما يتأكد لو افترضنا أن يوم القيامة لن يجئ.
ولقد حرم الله تعالى الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده.
ومن تمام العدل وجود يوم للقيامة والحساب والجزاء.
ذلك أن يوم القيامة هو اليوم الذي تعاد فيه جميع القضايا
مرة أخرى أمام الخالق، ويعاد نظرها مرة أخرى.
ويحكم فيها رب العالمين سبحانه.
هذه هي الضرورة الأولى ليوم القيامة،
وهي تتصل بعدالة الله ذاته.

وثمة ضرورة أخرى ليوم القيامة،
وهي تتصل بسلوك الإنسان نفسه.
إن الاعتقاد بيوم الدين، والإيمان ببعث الأجساد،
والوقوف للحساب، ثم تلقي الثواب والعقاب، ودخول الجنة أو النار،
هذا شيء من شأنه أن يعلق أنظار البشر وقلوبهم بعالم أخر بعد عالم الأرض،
فلا تستبد بهم ضرورات الحياة، ولا يستعبدهم الطمع،
ولا تتملكهم الأنانية، ولا يقلقهم أنهم لم يحققوا جزاء سعيهم في عمرهم القصير المحدود،
وبذلك يسمو الإنسان على الطين الذي خلق
منه إلى الروح الذي نفخه ربه فيه. ولعل مفترق الطريق بين الخضوع
لتصورات الأرض وقيمها وموازينها، والتعلق بقيم الله العليا،
والانطلاق اللائق بالإنسان،
يكمن في الإيمان بيوم القيامة.

حدثهم هود بهذا كله فاستمعوا إليه وكذبوه.
قالوا له هيهات هيهات.. واستغربوا أن يبعث الله من في القبور،
استغربوا أن يعيد الله خلق الإنسان بعد تحوله إلى التراب،
رغم أنه خلقه من قبل من التراب. وطبقا للمقاييس البشرية،
كان ينبغي أن يحس المكذبون
للبعث أن إعادة خلق الإنسان من التراب والعظام أسهل من خلقه الأول.
لقد بدأ الله الخلق فأي صعوبة في إعادته؟!
إن الصعوبة -طبقا للمقياس البشري- تكمن في الخلق.
وليس المقياس البشري غير مقياسٍ بشري ينطبق على الناس،
أما الله، فليست هناك أمور صعبة أو
سهلة بالنسبة إليه سبحانه، تجري الأمور بالنسبة
إليه سبحانه بمجرد الأمر.


موقف الملأ من دعوة هود:

يروي المولى عزل وجل موقف الملأ (وهم الرؤساء)
من دعوة هود عليه السلام. سنرى هؤلاء الملأ في كل قصص الأنبياء.
سنرى رؤساء القوم وأغنيائهم ومترفيهم يقفون ضد الأنبياء.
يصفهم الله تعالى بقوله: (وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)
من مواقع الثراء والغنى والترف، يولد الحرص على
استمرار المصالح الخاصة. ومن مواقع الثراء والغنى والترف والرياسة،
يولد الكبرياء. ويلتفت الرؤساء في القوم
إلى أنفسهم ويتساءلون: أليس هذا النبي بشرا مثلنا، يأكل مما نأكل،
ويشرب مما نشرب؟ بل لعله بفقره
يأكل أقل مما نأكل، ويشرب في أكواب صدئة،
ونحن نشرب في أكواب الذهب والفضة..
كيف يدعي أنه على الحق ونحن على الباطل؟
هذا بشر .. كيف نطيع بشرا مثلنا؟
ثم.. لماذا اختار الله بشرا من بيننا ليوحى إليه؟

قال رؤساء قوم هود: أليس غريبا أن يختار الله
من بيننا بشرا ويوحي إليه؟!
تسائل هو: ما هو الغريب في ذلك؟
إن الله الرحيم بكم قد أرسلني إليكم لأحذركم.
إن سفينة نوح، وقصة
نوح ليست ببعيدة عنكم،
لا تنسوا ما حدث، لقد هلك الذين كفروا بالله،
وسيهلك الذين يكفرون بالله دائما،
مهما يكونوا أقوياء.
قال رؤساء قوم هود: من الذي سيهلكنا يا هود؟
قال هود: الله .
قال الكافرون من قوم هود: ستنجينا آلهتنا.

وأفهمهم هود أن هذه الآلهة التي يعبدونها لتقربهم من الله،
هي نفسها التي تبعدهم عن الله. أفهمهم أن
الله هو وحده الذي ينجي الناس، وأن أي قوة أخرى في الأرض
لا تستطيع أن تضر أو تنفع.

واستمر الصراع بين هود وقومه. وكلما استمر
الصراع ومرت الأيام، زاد قوم هود استكبارا
وعنادا وطغيانا وتكذيبا لنبيهم. وبدءوا يتهمون
"هودا" عليه السلام بأنه سفيه مجنون.

قالوا له يوما: لقد فهمنا الآن سر جنونك.
إنك تسب آلهتنا وقد غضبت آلهتنا عليك،
وبسبب غضبها صرت مجنونا.

انظروا للسذاجة التي وصل إليها تفكيرهم.
إنهم يظنون أن هذه الحجارة لها قوى على من صنعها.
لها تأثير على الإنسان مع أنا لا تسمع
ولا ترى ولا تنطق. لم يتوقف هود عند هذيانهم،
ولم يغضبه أن يظنوا به الجنون والهذيان،
ولكنه توقف عند قولهم:
(وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ).
بعد هذا التحدي لم يبق لهود إلا التحدي. لم يبق
له إلا التوجه إلى الله وحده. لم يبق أمامه
إلا إنذار أخير ينطوي على
وعيد للمكذبين وتهديدا لهم.. وتحدث هود:

{ إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ
قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ
(55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56) فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)} (هود)

الرد
شكر من طرف :
#7
إن الإنسان ليشعر بالدهشة لهذه الجرأة في الحق.
رجل واحد يواجه قوما غلاظا شدادا وحمقى.
يتصورون أن أصنام الحجارة
تستطيع الإيذاء. إنسان بمفرده يقف ضد جبارين فيسفه عقيدتهم،
ويتبرأ منهم ومن آلهتهم،
ويتحداهم أن يكيدوا له بغير إبطاء أو إهمال،
فهو على استعداد لتلقي كيدهم،
وهو على استعداد لحربهم فقد توكل على الله. والله هو القوي بحق،
وهو الآخذ بناصية كل دابة في الأرض.
سواء الدواب من الناس أو دواب الوحوش أو الحيوان.
لا شيء يعجز الله.

بهذا الإيمان بالله، والثقة بوعده، والاطمئنان إلى نصره..
يخاطب هود الذين كفروا من قومه. وهو يفعل ذلك رغم وحدته وضعفه،
لأنه يقف مع الأمن الحقيقي ويبلغ عن الله.
وهو في حديثه يفهم قومه أنه أدى الأمانة، وبلغ الرسالة.
فإن كفروا فسوف يستخلف الله قوما غيرهم،
سوف يستبدل بهم قوما آخرين. وهذا معناه أن عليهم أن
ينتظروا العذاب.

هلاك عاد:

وهكذا أعلن هود لهم براءته منهم ومن آلهتهم.
وتوكل على الله الذي خلقه،
وأدرك أن العذاب واقع بمن كفر من قومه. هذا قانون من قوانين الحياة.
يعذب الله الذين كفروا،
مهما كانوا أقوياء أو أغنياء أو جبابرة أو عمالقة.

انتظر هود وانتظر قومه وعد الله.
وبدأ الجفاف في الأرض. لم تعد السماء تمطر.
وهرع قوم هود إليه. ما هذا الجفاف يا هود؟ قال هود:
إن الله غاضب عليكم، ولو آمنتم فسوف
يرضى الله عنكم ويرسل المطر فيزيدكم قوة إلى قوتكم.
وسخر قوم هود منه وزادوا في العناد والسخرية والكفر.
وزاد الجفاف، واصفرت الأشجار الخضراء ومات الزرع.
وجاء يوم فإذا سحاب عظيم يملأ السماء.
وفرح قوم هود وخرجوا من بيوتهم يقولون: (هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا).

تغير الجو فجأة. من الجفاف الشديد والحر إلى البرد الشديد القارس.
بدأت الرياح تهب. ارتعش كل شيء، ارتعشت الأشجار
والنباتات والرجال والنساء والخيام. واستمرت الريح.
ليلة بعد ليلة، ويوما بعد يوم. كل ساعة كانت برودتها تزداد.
وبدأ قوم هود يفرون،
أسرعوا إلى الخيام واختبئوا داخلها، اشتد هبوب الرياح
واقتلعت الخيام، واختبئوا تحت الأغطية،
فاشتد هبوب الرياح وتطايرت الأغطية.
كانت الرياح تمزق الملابس وتمزق الجلد
وتنفذ من فتحات الجسم وتدمره. لا تكاد الريح تمس شيئا إلا قتلته ودمرته،
وجعلته كالرميم.

استمرت الرياح مسلطة عليهم سبع ليال
وثمانية أيام لم تر الدنيا مثلها قط.
ثم توقفت الريح بإذن ربها.
لم يعد باقيا ممن كفر من قوم هود إلا ما يبقى من النخل الميت.
مجرد غلاف خارجي لا تكاد تضع يدك عليه
حتى يتطاير ذرات في الهواء.

نجا هود ومن آمن معه.. وهلك الجبابرة..
وهذه نهاية عادلة لمن يتحدى الله ويستكبر عن عبادته
الرد
شكر من طرف :
#8
(( صالح عليه السلام ))


نبذة:

أرسله الله إلى قوم ثمود وكانوا قوما جاحدين آتاهم الله
رزقا كثيرا ولكنهم عصوا ربهم وعبدوا الأصنام
وتفاخروا بينهم بقوتهم فبعث الله إليهم
صالحا مبشرا ومنذرا ولكنهم كذبوه وعصوه وطالبوه بأن يأتي بآية ليصدقوه
فأتاهم بالناقة وأمرهم أن لا يؤذوها ولكنهم
أصروا على كبرهم فعقروا الناقة وعاقبهم الله بالصاعقة فصعقوا
جزاء لفعلتهم ونجى الله صالحا والمؤمنين.

سيرته:

إرسال صالح عليه السلام لثمود:

جاء قوم ثمود بعد قوم عاد، وتكررت قصة العذاب
بشكل مختلف مع ثمود. كانت ثمود قبيلة تعبد الأصنام هي الأخرى،
فأرسل الله سيدنا "صالحا" إليهم.. وقال صالح لقومه:
(يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ)
نفس الكلمة التي يقولها كل نبي..
لا تتبدل ولا تتغير،
كما أن الحق لا يتبدل ولا يتغير.

فوجئ الكبار من قوم صالح بما يقوله..
إنه يتهم آلهتهم بأنها بلا قيمة،
وهو ينهاهم عن عبادتها ويأمرهم بعبادة الله وحده.
وأحدثت دعوته هزة كبيرة في المجتمع..
وكان صالح معروفا بالحكمة
والنقاء والخير. كان قومه يحترمونه
قبل أن يوحي الله إليه ويرسله بالدعوة إليهم..
وقال قوم صالح له:

{ قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا
يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ
مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62)} (هود)

تأمل وجهة نظر الكافرين من قوم صالح.
إنهم يدلفون إليه من باب شخصي بحت.
لقد كان لنا رجاء فيك. كنت مرجوا فينا لعلمك وعقلك وصدقك وحسن تدبيرك،
ثم خاب رجاؤنا فيك.. أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟!
يا للكارثة.. كل شيء يا صالح إلا هذا.
ما كنا نتوقع منك أن تعيب آلهتنا التي وجدنا آبائنا عاكفين عليها..
وهكذا يعجب القوم مما يدعوهم إليه.
ويستنكرون ما هو واجب وحق،
ويدهشون أن يدعوهم أخوهم صالح إلى عبادة الله وحده. لماذا؟
ما كان ذلك كله إلا لأن آبائهم كانوا يعبدون هذه الآلهة.

معجزة صالح عليه السلام:

ورغم نصاعة دعوة صالح عليه الصلاة والسلام،
فقد بدا واضحا أن قومه لن يصدقونه.
كانوا يشكون في دعوته، واعتقدوا أنه مسحور،
وطالبوه بمعجزة تثبت أنه
رسول من الله إليهم.
وشاءت إرادة الله أن تستجيب لطلبهم.
وكان قوم ثمود ينحتون من الجبال بيوتا عظيمة.
كانوا يستخدمون الصخر في البناء،
وكانوا أقوياء قد فتح الله عليهم رزقهم من كل شيء.
جاءوا بعد قوم عاد
فسكنوا الأرض التي استعمروها.

قال صالح لقومه حين طالبوه بمعجزة ليصدقوه:

{ وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا
بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64)} (هود)

والآية هي المعجزة، ويقال إن الناقة كانت
معجزة لأن صخرة بالجبل انشقت يوما وخرجت منها الناقة..
ولدت من غير الطريق المعروف للولادة.
ويقال إنها كانت معجزة لأنها كانت
تشرب المياه الموجودة في الآبار في يوم فلا تقترب بقية الحيوانات
من المياه في هذا اليوم، وقيل إنها كانت
معجزة لأنها كانت تدر لبنا يكفي لشرب الناس جميعا
في هذا اليوم الذي تشرب فيه الماء فلا يبقى شيء للناس.
كانت هذه الناقة معجزة، وصفها الله سبحانه
وتعالى بقوله: (نَاقَةُ اللّهِ) أضافها لنفسه سبحانه بمعنى أنها ليست
ناقة عادية وإنما هي معجزة من الله.
وأصدر الله أمره إلى صالح أن يأمر قومه بعدم المساس بالناقة
أو إيذائها أو قتلها، أمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله،
وألا يمسوها بسوء،
وحذرهم أنهم إذا مدوا أيديهم بالأذى للناقة فسوف
يأخذهم عذاب قريب.

في البداية تعاظمت دهشة ثمود
حين ولدت الناقة من
صخور الجبل..
كانت ناقة مباركة. كان لبنها يكفي آلاف الرجال والنساء والأطفال.
كان واضحا إنها ليست مجرد ناقة عادية،
وإنما هي آية من الله. وعاشت الناقة بين قوم صالح،
آمن منهم من آمن وبقي أغلبهم
على العناد والكفر.
وذلك لأن الكفار عندما يطلبون من نبيهم آية،
ليس لأنهم يريدون التأكد من صدقه والإيمان به،
وإنما لتحديه وإظهار عجزه أمام البشر. لكن الله كان يخذلهم
بتأييد أنبياءه بمعجزات من عنده.

كان صالح عليه الصلاة والسلام يحدث قومه برفق وحب،
وهو يدعوهم إلى عبادة الله وحده،
وينبههم إلى أن الله قد أخرج لهم معجزة هي الناقة،
دليلا على صدقه وبينة على دعوته.
وهو يرجو منهم أن يتركوا الناقة تأكل في أرض الله،
وكل الأرض أرض الله.
وهو يحذرهم أن يمسوها بسوء خشية وقوع عذاب الله عليهم.
كما ذكرهم بإنعام الله عليهم:
بأنه جعلهم خلفاء من بعد قوم عاد..
وأنعم عليهم بالقصور والجبال المنحوتة والنعيم والرزق والقوة.
لكن قومه تجاوزوا كلماته وتركوه،
واتجهوا إلى الذين آمنوا بصالح.

يسألونهم سؤال استخفاف وزراية:
{ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ }؟!
قالت الفئة الضعيفة التي آمنت بصالح:
{ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ }
فأخذت الذين كفروا العزة بالإثم..
{ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } .
هكذا باحتقار واستعلاء وغضب.


تآمر الملأ على الناقة:

وتحولت الكراهية عن سيدنا صالح إلى الناقة المباركة.
تركزت عليها الكراهية، وبدأت المؤامرة تنسج
خيوطها ضد الناقة.
كره الكافرون هذه الآية العظيمة،
ودبروا في أنفسهم أمرا.

وفي إحدى الليالي، انعقدت جلسة لكبار القوم،
وقد أصبح من المألوف أن نرى أن
في قصص الأنبياء هذه التدابير للقضاء على النبي
أو معجزاته أو دعوته تأتي من رؤساء القوم،
فهم من يخافون على مصالحهم إن تحول الناس للتوحيد،
ومن خشيتهم إلى خشية الله وحده.
أخذ رؤساء القوم يتشاورون فيما يجب القيام به لإنهاء دعوة صالح.
فأشار عليهم واحد منهم بقتل الناقة
ومن ثم قتل صالح نفسه.

وهذا هو سلاح الظلمة والكفرة في كل زمان ومكان،
يعمدون إلى القوة والسلاح بدل الحوار والنقاش بالحجج والبراهين.
لأنهم يعلمون أن الحق يعلوا ولا يعلى عليه،
ومهما امتد بهم الزمان سيظهر الحق ويبطل كل حججهم.
وهم لا يريدون أن يصلوا لهذه المرحلة،
وقرروا القضاء على الحق قبل أن تقوى شوكته.

لكن أحدهم قال: حذرنا صالح من المساس بالناقة،
وهددنا بالعذاب القريب. فقال أحدهم سريعا قبل أن يؤثر كلام من
سبقه على عقول القوم: أعرف من يجرأ على قتل الناقة.
ووقع الاختيار على تسعة من جبابرة القوم.
وكانوا رجالا يعيثون الفساد في الأرض،
الويل لمن يعترضهم.

هؤلاء هم أداة الجريمة. اتفق على موعد الجريمة ومكان التنفيذ.
وفي الليلة المحددة. وبينما كانت الناقة
المباركة تنام في سلام. انتهى المجرمون التسعة
من إعداد أسلحتهم وسيوفهم وسهامهم، لارتكاب الجريمة.
هجم الرجال على الناقة فنهضت الناقة مفزوعة.
امتدت الأيدي الآثمة القاتلة إليها. وسالت دمائها.

هلاك ثمود:

علم النبي صالح بما حدث فخرج غاضبا على قومه.
قال لهم: ألم أحذركم من أن تمسوا الناقة؟
قالوا: قتلناها فأتنا بالعذاب واستعجله.. ألم تقل أنك من المرسلين؟
قال صالح لقومه:
{ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ }

بعدها غادر صالح قومه. تركهم ومضى.
انتهى الأمر ووعده الله بهلاكهم بعد ثلاثة أيام.

ومرت ثلاثة أيام على الكافرين من قوم صالح
وهم يهزءون من العذاب وينتظرون، وفي فجر اليوم الرابع:
انشقت السماء عن صيحة جبارة واحدة.
انقضت الصيحة على الجبال فهلك فيها كل شيء حي.
هي صرخة واحدة..
لم يكد أولها يبدأ وآخرها يجيء حتى كان كفار
قوم صالح قد صعقوا جميعا صعقة واحدة
الرد
شكر من طرف :
#9
(( إبراهيم عليه السلام ))

قصة إبراهيم عليه السلام طويلة فإن شاء الله راح أقسمها إلى
ثلاث أجزاء في كل يوم جزء

الجزء الأول

نبذة:
هو خليل الله، اصطفاه الله
برسالته وفضله على كثير من خلقه، كان إبراهيم
يعيش في قوم يعبدون الكواكب، فلم يكن يرضيه ذلك،
وأحس بفطرته أن هناك إلها أعظم حتى
هداه الله واصطفاه برسالته، وأخذ إبراهيم يدعو قومه لوحدانية الله
وعبادته ولكنهم كذبوه وحاولوا إحراقه
فأنجاه الله من بين أيديهم، جعل الله الأنبياء من نسل إبراهيم فولد
له إسماعيل وإسحاق، قام إبراهيم ببناء الكعبة
مع إسماعيل.


سيرته:

هو أحد أولي العزم الخمسة الكبار الذين اخذ الله منهم ميثاقا غليظا،
وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد..
بترتيب بعثهم. وهو النبي الذي ابتلاه الله ببلاء مبين.
بلاء فوق قدرة البشر وطاقة الأعصاب. ورغم حدة الشدة،
وعنت البلاء.. كان إبراهيم هو العبد الذي وفى.
وزاد على الوفاء بالإحسان.

وقد كرم الله تبارك وتعالى إبراهيم تكريما خاصا،
فجعل ملته هي التوحيد الخالص النقي من الشوائب.
وجعل العقل في جانب الذين يتبعون دينه.

وكان من فضل الله على إبراهيم
أن جعله الله إماما للناس. وجعل في ذريته النبوة والكتاب.
فكل الأنبياء من بعد إبراهيم هم من نسله فهم أولاده وأحفاده.
حتى إذا جاء آخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم،
جاء تحقيقا واستجابة لدعوة إبراهيم التي دعا الله
فيها أن يبعث في الأميين رسولا منهم.

ولو مضينا نبحث في فضل إبراهيم وتكريم الله له فسوف نمتلئ بالدهشة.
نحن أمام بشر جاء ربه بقلب سليم.
إنسان لم يكد الله يقول له أسلم حتى قال أسلمت لرب العالمين.
نبي هو أول من سمانا المسلمين.
نبي كان جدا وأبا لكل أنبياء الله الذين جاءوا بعده.
نبي هادئ متسامح حليم أواه منيب.

يذكر لنا ربنا ذو الجلال والإكرام أمرا آخر أفضل من كل ما سبق.
فيقول الله عز وجل في محكم آياته:
(وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) لم يرد في كتاب الله ذكر لنبي،
اتخذه الله خليلا غير إبراهيم. قال العلماء: الخُلَّة هي شدة المحبة.
وبذلك تعني الآية: واتخذ الله إبراهيم حبيبا.
فوق هذه القمة الشامخة
يجلس إبراهيم عليه الصلاة والسلام. إن منتهى أمل السالكين،
وغاية هدف المحققين والعارفين بالله.. أن يحبوا الله عز وجل.
أما أن يحلم أحدهم أن يحبه الله، أن يفرده بالحب،
أن يختصه بالخُلَّة وهي شدة المحبة.. فذلك شيء وراء آفاق التصور.
كان إبراهيم هو هذا العبد الرباني
الذي استحق أن يتخذه
الله خليلا.


حال المشركين قبل بعثة إبراهيم:

لا يتحدث القرآن عن ميلاده أو طفولته، ولا يتوقف عند عصره صراحة،
ولكنه يرسم صورة لجو الحياة في أيامه،
فتدب الحياة في عصره، وترى الناس
قد انقسموا ثلاث فئات:

* فئة تعبد الأصنام والتماثيل الخشبية والحجرية.

* وفئة تعبد الكواكب والنجوم والشمس والقمر.

* وفئة تعبد الملوك والحكام.


نشأة إبراهيم عليه السلام:

وفي هذا الجو ولد إبراهيم. ولد في أسرة من
أسر ذلك الزمان البعيد. لم يكن رب الأسرة كافرا عاديا من عبدة الأصنام،
كان كافرا متميزا يصنع بيديه تماثيل الآلهة.
وقيل أن أباه مات قبل ولادته فرباه عمه،
وكان له بمثابة الأب، وكان إبراهيم يدعوه بلفظ الأبوة،
وقيل أن أباه لم يمت وكان آزر هو والده حقا،
وقيل أن آزر اسم صنم اشتهر أبوه بصناعته..
ومهما يكن من أمر فقد ولد إبراهيم في هذه الأسرة.

رب الأسرة أعظم نحات يصنع تماثيل الآلهة.
ومهنة الأب تضفي عليه قداسة خاصة في قومه،
وتجعل لأسرته كلها مكانا ممتازا في المجتمع.
هي أسرة مرموقة،
أسرة من الصفوة الحاكمة.

من هذه الأسرة المقدسة،
ولد طفل قدر له أن يقف ضد أسرته وضد نظام مجتمعه
وضد أوهام قومه وضد ظنون الكهنة
وضد العروش القائمة وضد عبدة النجوم والكواكب
وضد كل أنواع الشرك باختصار.

مرت الأيام.. وكبر إبراهيم.. كان قلبه يمتلأ من
طفولته بكراهية صادقة لهذه التماثيل التي يصنعها والده.
لم يكن يفهم كيف يمكن لإنسان
عاقل أن يصنع بيديه تمثالا، ثم يسجد بعد ذلك لما صنع بيديه.
لاحظ إبراهيم إن هذه التماثيل
لا تشرب ولا تأكل ولا تتكلم
ولا تستطيع أن تعتدل لو قلبها أحد على جنبها.
كيف يتصور الناس أن هذه
التماثيل تضر وتنفع؟!


مواجهة عبدة الكواكب والنجوم:

قرر إبراهيم عليه السلام مواجهة عبدة النجوم من قومه،
فأعلن عندما رأى أحد الكواكب في الليل،
أن هذا الكوكب ربه. ويبدو أن قومه اطمأنوا له،
وحسبوا أنه يرفض عبادة التماثيل ويهوى عبادة الكواكب.
وكانت الملاحة حرة بين الوثنيات الثلاث:
عبادة التماثيل والنجوم والملوك. غير أن إبراهيم كان يدخر لقومه
مفاجأة مذهلة في الصباح. لقد أفل
الكوكب الذي التحق بديانته بالأمس.
وإبراهيم لا يحب الآفلين.
فعاد إبراهيم في الليلة الثانية يعلن لقومه أن القمر ربه.
لم يكن قومه على درجة كافية من الذكاء ليدركوا أنه يسخر منهم
برفق ولطف وحب. كيف يعبدون
ربا يختفي ثم يظهر. يأفل ثم يشرق.
لم يفهم قومه هذا في المرة الأولى فكرره مع القمر.
لكن القمر كالزهرة كأي كوكب آخر.. يظهر ويختفي.
فقال إبراهيم عدما أفل القمر
(لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)
نلاحظ هنا أنه عندما يحدث قومه عن رفضه لألوهية القمر..
فإنه يمزق العقيدة القمرية بهدوء ولطف.
كيف يعبد الناس ربا يختفي ويأفل.
(لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي) يفهمهم أن له ربا غير كل ما يعبدون.
غير أن اللفتة لا تصل إليهم. ويعاود إبراهيم محاولته في
إقامة الحجة على الفئة الأولى من قومه..
عبدة الكواكب والنجوم. فيعلن أن الشمس ربه، لأنها أكبر من القمر.
وما أن غابت الشمس، حتى أعلن براءته من عبادة النجوم والكواكب
. فكلها مغلوقات تأفل. وأنهى جولته الأولى
بتوجيهه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفا..
ليس مشركا مثلهم.

استطاعت حجة إبراهيم أن تظهر الحق.
وبدأ صراع قومه معه. لم يسكت عنه عبدة النجوم والكواكب.
بدءوا جدالهم وتخويفهم له وتهديده.
ورد إبراهيم عليهم قال:

{ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء
رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80)
وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم
بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ
أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81)} (الأنعام)

لا نعرف رهبة الهجوم عليه. ولا حدة الصراع ضده،
ولا أسلوب قومه الذي اتبعه معه لتخويفه.
تجاوز القرآن هذا كله إلى رده هو.
كان جدالهم باطلا فأسقطه القرآن من القصة،
وذكر رد إبراهيم المنطقي العاقل.
كيف يخوفونه ولا يخافون هم؟ أي الفريقين أحق بالأمن؟

بعد أن بين إبراهيم عليه السلام حجته لفئة
عبدة النجوم والكواكب،
استعد لتبيين حجته لعبدة الأصنام.
آتاه الله الحجة في المرة الأولى كما سيؤتيه
الحجة في كل مرة.

سبحانه.. كان يؤيد إبراهيم ويريه ملكوت السماوات والأرض.
لم يكن معه غير إسلامه حين
بدأ صراعه مع عبدة الأصنام.
هذه المرة يأخذ الصراع شكلا أعظم حدة.
أبوه في الموضوع..
هذه مهنة الأب وسر مكانته وموضع تصديق القوم..
وهي العبادة التي تتبعها الأغلبية.
الرد
شكر من طرف :
#10
(( إبراهيم عليه السلام ))

( الجزء الثاني )


مواجهة عبدة الأصنام:

خرج إبراهيم على قومه بدعوته. قال بحسم غاضب وغيرة على الحق:

{ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)
قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ (53)
قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (54)
قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55)
قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (56)}
(الأنبياء)

انتهى الأمر وبدأ الصراع بين إبراهيم وقومه..
كان أشدهم ذهولا وغضبا هو أباه أو عمه الذي رباه كأب..
واشتبك الأب والابن في الصراع. فصلت بينهما المبادئ فاختلفا..
الابن يقف مع الله،
والأب يقف مع الباطل.

قال الأب لابنه: مصيبتي فيك كبيرة يا إبراهيم..
لقد خذلتني وأسأت إلي.

قال إبراهيم:

{ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42)
يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)
يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44)
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)}
(مريم)

انتفض الأب واقفا وهو يرتعش من الغضب.
قال لإبراهيم وهو ثائر إذا لم تتوقف عن دعوتك هذه فسوف أرجمك،
سأقتلك ضربا بالحجارة. هذا جزاء من يقف ضد الآلهة.. اخرج من بيتي..
لا أريد أن أراك.. اخرج.

انتهى الأمر وأسفر الصراع عن طرد إبراهيم من بيته.
كما أسفر عن تهديده بالقتل رميا بالحجارة. رغم ذلك تصرف إبراهيم كابن بار ونبي كريم.
خاطب أباه بأدب الأنبياء.
قال لأبيه ردا على الإهانات والتجريح والطرد والتهديد بالقتل:

{ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47)
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا (48)} (مريم)

وخرج إبراهيم من بيت أبيه.
هجر قومه وما يعبدون من دون الله.
وقرر في نفسه أمرا.
كان يعرف أن هناك احتفالا عظيما يقام على الضفة الأخرى من النهر،
وينصرف الناس جميعا إليه.
وانتظر حتى جاء الاحتفال وخلت المدينة التي يعيش فيها من الناس.

وخرج إبراهيم حذرا وهو يقصد بخطاه المعبد.
كانت الشوارع المؤدية إلى المعبد خالية.
وكان المعبد نفسه مهجورا. انتقل كل الناس إلى الاحتفال.
دخل إبراهيم المعبد ومعه فأس حادة.
نظر إلى تماثيل الآلهة المنحوتة من الصخر والخشب.
نظر إلى الطعام الذي وضعه الناس أمامها كنذور وهدايا.
اقترب إبراهيم من التماثيل وسألهم:
(أَلَا تَأْكُلُونَ) كان يسخر منهم ويعرف أنهم لا يأكلون.
وعاد يسأل التماثيل: (مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ)
ثم هوى بفأسه على الآلهة.

وتحولت الآلهة المعبودة إلى
قطع صغيرة من الحجارة والأخشاب المهشمة..
إلا كبير الأصنام فقد تركه إبراهيم (لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ)
فيسألونه كيف وقعت الواقعة وهو حاضر فلم يدفع عن صغار الآلهة!
ولعلهم حينئذ يراجعون القضية كلها،
فيرجعون إلى صوابهم.

إلا أن قوم إبراهيم الذين عطّلت الخرافة عقولهم عن التفكير،
وغلّ التقليد أفكارهم عن التأمل والتدبر.
لم يسألوا أنفسهم: إن كانت هذه آلهة فكيف وقع لها ما وقع دون أن تدفع عن أنفسها شيئا؟!
وهذا كبيرها كيف لم يدفع عنها؟!
وبدلا من ذلك
(قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ).

عندئذ تذكر الذين سمعوا إبراهيم ينكر على أبيه ومن معه عبادة التماثيل،
ويتوعدهم أن يكيد لآلهتهم بعد انصرافهم عنها!

فأحضروا إبراهيم عليه السلام،
وتجمّع الناس، وسألوه (أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ)؟
فأجابهم إبراهيم (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ)
والتهكم واضح في هذا الجواب الساخر. فلا داعي
لتسمية هذه كذبة من إبراهيم -عليه السلام-
والبحث عن تعليلها بشتى العلل التي اختلف عليها المفسرون.
فالأمر أيسر من هذا بكثير! إنما أراد أن يقول لهم:
إن هذه التماثيل لا تدري من حطمها إن كنت أنا أم
هذا الصنم الكبير الذي لا يملك مثلها حراكا. فهي جماد
لا إدراك له أصلا. وأنتم كذلك مثلها مسلوبو الإدراك
لا تميزون بين الجائز والمستحيل. فلا تعرفون
إن كنت أنا الذي حطمتها أم أن هذا التمثال هو الذي حطمها!

ويبدو أن هذا التهكم الساخر قد هزهم هزا،
وردهم إلى شيء من التدبر التفكر:

{ فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64)} (الأنبياء)

وكانت بادرة خير أن يستشعروا ما في
موقفهم من سخف، وما في عبادتهم لهذه التماثيل
من ظلم. وأن تتفتح بصيرتهم لأول
مرة فيتدبروا ذلك السخف الذي يأخذون به أنفسهم،
وذلك الظلم الذي هم فيه سادرون.
ولكنها لم تكن إلا ومضة واحدة أعقبها الظلام،
وإلا خفقة واحدة عادت بعدها قلوبهم إلى الخمود:

{ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ (65)} (الأنبياء)

وحقا كانت الأولى رجعة إلى النفوس،
وكانت الثانية نكسة على الرؤوس؛
كما يقول التعبير القرآني المصور العجيب..
كانت الأولى حركة في النفس للنظر والتدبر.
أما الثانية فكانت انقلابا على الرأس فلا عقل ولا تفكير.
وإلا فإن قولهم هذا الأخير هو الحجة عليهم.
وأية حجة لإبراهيم أقوى من أن هؤلاء لا ينطقون؟

ومن ثم يجيبهم بعنف وضيق على غير عادته وهو الصبور الحليم.
لأن السخف هنا يجاوز صبر الحليم:

{ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66)
أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) }
(الأنبياء)

وهي قولة يظهر فيها ضيق الصدرن وغيظ النفس،
والعجب من السخف الذي يتجاوز كل مألوف.

عند ذلك أخذتهم العزة بالإثم كما تأخذ الطغاة دائما
حين يفقدون الحجة ويعوزهم الدليل،
فيلجأون إلى القوة الغاشمة والعذاب الغليظ:

{ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) } (الأنبياء)


نجاة إبراهيم عليه السلام من النار:

وفعلا.. بدأ الاستعداد لإحراق إبراهيم.
انتشر النبأ في المملكة كلها.
وجاء الناس من القرى والجبال والمدن ليشهدوا عقاب الذي تجرأ على الآلهة
وحطمها واعترف بذلك وسخر من الكهنة.
وحفروا حفرة عظيمة ملئوها بالحطب والخشب والأشجار.
وأشعلوا فيها النار. وأحضروا المنجنيق
وهو آلة جبارة ليقذفوا إبراهيم فيها فيسقط في حفرة النار..
ووضعوا إبراهيم بعد أن قيدوا يديه وقدميه في المنجنيق.
واشتعلت النار في الحفرة وتصاعد اللهب إلى السماء.
وكان الناس يقفون بعيدا عن الحفرة من فرط الحرارة اللاهبة.
وأصدر كبير الكهنة أمره بإطلاق إبراهيم في النار.

جاء جبريل عليه السلام ووقف عند رأس إبراهيم وسأله: يا إبراهيم.. ألك حاجة؟

قال إبراهيم: أما إليك فلا.

انطلق المنجنيق ملقيا إبراهيم في حفرة النار.
كانت النار موجودة في مكانها، ولكنها لم تكن تمارس وظيفتها في الإحراق.
فقد أصدر الله جل جلاله إلى النار أمره بأن تكون
(بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) .
أحرقت النار قيوده فقط. وجلس إبراهيم وسطها كأنه يجلس وسط حديقة.
كان يسبّح بحمد ربه ويمجّده.
لم يكن في قلبه مكان خال يمكن أن يمتلئ بالخوف أو الرهبة أو الجزع.
كان القلب مليئا بالحب وحده. ومات الخوف.
وتلاشت الرهبة. واستحالت النار إلى سلام بارد
يلطف عنه حرارة الجو.

جلس الكهنة والناس
يرقبون النار من بعيد. كانت حرارتها تصل إليهم على الرغم من بعدهم عنها.
وظلت النار تشتعل فترة طويلة حتى
ظن الكافرون أنها لن تنطفئ أبدا.
فلما انطفأت فوجئوا بإبراهيم يخرج من الحفرة سليما كما دخل.
ووجهه يتلألأ بالنور والجلال. وثيابه كما هي لم تحترق.
وليس عليه أي أثر للدخان أو الحريق.

خرج إبراهيم من النار كما لو كان يخرج من حديقة.
وتصاعدت صيحات الدهشة الكافرة. خسروا جولتهم
خسارة مريرة وساخرة.

{ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) } (الأنبياء)

لا يحدثنا القرآن الكريم عن عمر إبراهيم حين حطم أصنام قومه،
لا يحدثنا عن السن التي كلف فيها بالدعوة إلى الله.
ويبدو من استقراء النصوص القديمة أن إبراهيم
كان شابا صغيرا حين فعل ذلك، بدليل قول قومه عنه:
(سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) .
وكلمة الفتى تطلق على السن التي
تسبق العشرين.

مواجهة عبدة الملوك:

إن زمن اصطفاء الله تعالى لإبراهيم غير محدد في القرآن.
وبالتالي فنحن لا نستطيع أن نقطع فيه بجواب نهائي.
كل ما نستطيع أن نقطع فيه برأي،
أن إبراهيم أقام الحجة على عبدة التماثيل
بشكل قاطع، كما أقامها على عبدة النجوم والكواكب من قبل بشكل حاسم،
ولم يبق إلا أن تقام الحجة على الملوك المتألهين
وعبادهم.. وبذلك تقوم الحجة
على جميع الكافرين.

فذهب إبراهيم عليه السلام لملك متألّه كان في زمانه.
وتجاوز القرآن اسم الملك لانعدام أهميته،
لكن روي أن الملك المعاصر لإبراهيم كان يلقب (بالنمرود) وهو ملك الآراميين بالعراق.
كما تجاوز حقيقة مشاعره،
كما تجاوز الحوار الطويل الذي دار بين إبراهيم وبينه.
لكن الله تعالى في كتابه الحكيم أخبرنا الحجة الأولى التي أقامها
إبراهيم عليه السلام على الملك الطاغية،
فقال إبراهيم بهدوء:
(رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ)

قال الملك: (أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) أستطيع أن أحضر
رجلا يسير في الشارع وأقتله، وأستطيع أن أعفو عن
محكوم عليه بالإعدام وأنجيه من الموت..
وبذلك أكون قادرا على الحياة والموت.


لم يجادل إبراهيم الملك لسذاجة ما يقول.
غير أنه أراد أن يثبت للملك أنه يتوهم في نفسه القدرة وهو في الحقيقة ليس قادرا.
فقال إبراهيم: (فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)

استمع الملك إلى تحدي إبراهيم صامتا..
فلما انتهى كلام النبي بهت الملك.
أحس بالعجز ولم يستطع أن يجيب.
لقد أثبت له إبراهيم أنه كاذب.. قال له إن الله يأتي بالشمس من المشرق،
فهل يستطيع هو أن يأتي بها من المغرب..
إن للكون نظما وقوانين يمشي طبقا لها..
قوانين خلقها الله ولا يستطيع أي مخلوق أن يتحكم فيها.
ولو كان الملك صادقا في ادعائه الألوهية فليغير نظام الكون وقوانينه..
ساعتها أحس الملك بالعجز.. وأخرسه التحدي. ولم يعرف ماذا يقول،
ولا كيف يتصرف. انصرف إبراهيم من قصر الملك،
بعد أن بهت الذي كفر.

الرد
شكر من طرف :


التنقل السريع :


يقوم بقرائة الموضوع: بالاضافة الى ( 6 ) ضيف كريم