2007-04-30, 12:21 PM
الفصل الأول
الليلة الرهــيبــة Terrible Night
كنت في ذلك الوقت شاباً في الخامسة و الثلاثين من عمري لا أعرف شيئاً عن عالم ما وراء الطبيعة و كنت أومن أن العلم قد عرف كل شيء .. كنت ساذجاً بالطبع ..
سافرت إلى بريطانيا لحضور مؤتمر أمراض الدم الذي يحضره نخبة من أساتذة هذا العالم في العالم كله ، لكن كما هو معروف - ليست المحاضرات مشوقة إلى هذا الحد - .
و قد قضيت في ذلك اليوم أربع ساعات من أسود ساعات حياتي أصغي لكلام كثير عن السرطان بالدم ، و أنيميا البحر المتوسط ... و ...و الخ
كان الأطباء الجالسون قد أصيبوا بذلك النوع من المثل و التعاسة و التجمد الفكري الذي أوثر أن أسميه ( ذهول المؤتمرات ) ، كانوا جميعاً قد فقدوا الإحساس بظهرهم و أطرافهم ، و تحولت أرادفهم إلى جزء من المقاعد ، و بعضهم أخذ يزجي الوقت في الحديث همساً وهم يضعون أيديهم على أفواههم كتلاميذ مدارس .
-- شكراً
و للحظة لم يصدق هؤلاء البؤساء آذانهم لكن الرجل كان قد انتهى بالفعل من محاضراته الطويلة ، من ثم تعالت تنهدات العرفان بالجميل ، و بدوا يصفقون له شاكرين !
كان المحاضر كهلاً وسيماً اسمه ( ريتشارد كامنجز ) قابلته في مصر أكثر من مرة و انبهرت به بشدة ، كان شامخاً مهيباً عصبياً مغرماً بالتاريخ و الفن و كان يعشق تاريخ الفراعنة و كانت هذه النقطة تلاقينا ....
بعد المحاضرة قابلته ، و على الفور هش و بش لي و بدت السعادة على وجهه ، بل إنه صافحني ( وهو شئ غير معتاد من الإنجليز ) ثم أنه سألني عن رأيي في المحاضرة فكذبت عليه بكياسة قائلاً إنها رائعة ؛ دعاني إلى بيته الريفي في ( يوركشاير ) ، لأنني – كما قال - إنسان متحضر و شديد الإخـلاص للعلم ...
لهذا – وكما علمتني التقاليد الإنجليزية الصارمة – وجدتني أجتاز مدخل حديقة البيت الإنجليزي الجميل في تمام الساعة السابعة مساءاً .. وكان القمر يرخي ضوءاً هادئاً رقيقاً على غصون اللبلاب المتدلية فوق سقف البيت المنحدر ، و في الحديقة كنت تشم روائح غير مألوفة لزهور لا تعرف اسمها ...
و في الداخل كان البيت أنيقاً بسيطاً ، بيت أسرة كاثوليكية متدينة .. و في قاعة الجلوس كانت هناك مجموعة كبيرة من الصلبان الأثرية ، و لوحة كبيرة للعشاء الأخير * ، وكانت زوجته في منتصف العمر مهذبة رقيقة ، أما ابنته كاترين فكانت مراهقة لكنها أكثر تعقلا من سنها ..
و أدركت كم هم متدينون حين تلوا قبل العشاء صلاة المائدة ، من ثم شعرت بالخجل من نفسي لأني نسيت البسملة على الطعام قبل أن أبدأ الأكل .. تمتمت أن بسم الله أوله و آخرة ، و شرعت أملأ بطني من الأصناف جميلة المنظر ، شنيعة الطعم ، التي عرف بها المطبخ الإنجليزي في أوروبا كلها ...
بعد العشاء – وفي حجرة المعيشة المريحة – جلس د. ريتشارد جوار المدفأة يدخن غليونه و يرشف القهوة في استمتاع وقد بدا لكلينا أن الحياة لن تكون أبداُ أروع مما هي عليه الآن ..
قال د. ريتشارد : كيف تشعر و أنت من سلالة الفراعنة هؤلاء العباقرة ؟
ابتسمت ولم أدر بما ذا أرد .
فغمغمت : .... بالندم و الحسرة لأني لم أحفظ حضارتهم وكل ما اكتشفوه ..
أكمل قائلاً: أحياناً يخيل لي أنه لم يعد هناك ما يمكن اكتشافه بعد كل ما اكتشف حتى اليوم .... أعتقد أن زمن ( الكشوف ) قد ولى و بدا زمن ( التطوير ) .
و هنا يبدأ دور رجل علم مثلي يؤمن بعلم ما وراء الطبيعة ويؤمن أن كل أسطورة لها أصل ما لم يحاول القدماء أن يتوقفوا عنده ، وهكذا نفتح أبواباً جديدة...
وجال ببصره في الغرفة الخالية .. ثم همس :
خذ عندك أسطورة الكونت دراكولا .. إن أحداً لم يحاول أن يتأمل فيها .. ، كانوا يبحثون في الكهرباء و الموجات الكهرومغناطيسية و الانشطار النووي و المضادات الحيوية فلم يتوقفوا عند هذه الأسطورة أبداً ، هنا يأتي دور رجل علم مثلي يؤمن أن هذه الأسطورة لم تأت من فراغ و يتوقف لحظة عندها ...
هنالك شواهد تاريخية عديدة و مريبة ... الدم هذا السائل الأحمر الغامض رمز الحياة و الموت معاً ، خذ عندك طقوس شرب الدماء في الهند .. المومياوات ذات الأنياب التي وجدوها في الصين ، ومآدب أهل أسبرطة التي كانوا يحتسون فيها الدم الممزوج بالخل و التوابل ، و دماء السلحفاة البحرية التي يشربونها لعلاج الروماتيزم في جامايكا .
و كتب السحر في القرون الوسطي ، و كلها تتحدث عن طرد مصاصي الدماء كقضية مسلم بها ..
وهنا نبدأ - بمرونة فكرية - نجزم أنه في وقت ما ، قي مكان ما ،/ تواجدت مخلوقات كابوسية تعيش على الدماء مثل دراكولا ..
-أوووه !!
و كان هذا هو صوت كاترين .. وكانت قد دخلت الحجرة لتوها فسمعت آخر جملة ، و سرعان ما اعتذرت بأنها ترغب في الصعود لحجرتها ..
قال د. ريتشارد :هكذا أفضل .. هناك أشياء لا يجب أن يقولها المرء أمام النساء .. أنت تفهمني .
و اتجه نحو النور الكهربائي و أطفأه ، فساد الظلام الحجرة فيما عدا نور المدفأة الهادئ الخافت .. ، و قال بطريقة درامية مؤثرة .
- هكذا يكون الجو مناسباً لهذه الأحاديث الرهيبة !!
أحسست بالرجفة تسري في ظهري ، وكان منظر لهيبة المدفأة يذكرني بالمشوار الذي ينتظرني بعد هذه الأمسية في العودة لفندقي .. البرد و الخوف ..
توقف د. ريتشارد أمام إحدى اللوحات المعلقة يتأملها على ضوء المدفأة المتراقص ، و همس :
-لقد بحثت و بحثت سنوات طويلة مع أحد رفاقي من علماء التاريخ .. و اليوم أستطيع أن أقول إننا برهنا بالدليل المادي على وجود الكونت دراكولا ..
دوت الكلمة الكابوسية في الظلام فأجفلت لها في مقعدي ، و الواقع د. ريتشارد كان مخرجاً مسرحيا رائعاً ..
-القصة كما يعرفها كل الناس هي قصة ذلك الكونت دراكولا الذي عاش في ترانسلفانيا في القرن الرابع عشر ... كان شريراً بكل ما في الكلمة معان ، و لكنه لم يكن من الموتى الأحياء .. إلا أن كاتباً نشطاً أسماه ( دراكولا ) أي الشيطان ، و خلده " برام ستوكر " في قصته الشهيرة التي لم يزل الناس يرتجفون منها حتى اليوم .....
ثم السينما العالمية .... " فنسنت برايس....... لون شاني " ليكملوا الصورة ....
اليوم أقول أنا : إن ( دراكولا ) وجد فعلاً كما صورته القصص دون أية مبالغة ...
*صورة مرسوم عليها حواري النبي عيسى ابن مريم عليهما السلام و معه حواريه ومن ضمن الصورة موجود الخائن الذي أفشى على عيسى وهو يبين في الصورة وهو قد سقط منه الملح من على المائدة وهذه رشة الملح هي سوء طالع لدى المسيحيين .
انتظروا الفصل الثاني...
الليلة الرهــيبــة Terrible Night
كنت في ذلك الوقت شاباً في الخامسة و الثلاثين من عمري لا أعرف شيئاً عن عالم ما وراء الطبيعة و كنت أومن أن العلم قد عرف كل شيء .. كنت ساذجاً بالطبع ..
سافرت إلى بريطانيا لحضور مؤتمر أمراض الدم الذي يحضره نخبة من أساتذة هذا العالم في العالم كله ، لكن كما هو معروف - ليست المحاضرات مشوقة إلى هذا الحد - .
و قد قضيت في ذلك اليوم أربع ساعات من أسود ساعات حياتي أصغي لكلام كثير عن السرطان بالدم ، و أنيميا البحر المتوسط ... و ...و الخ
كان الأطباء الجالسون قد أصيبوا بذلك النوع من المثل و التعاسة و التجمد الفكري الذي أوثر أن أسميه ( ذهول المؤتمرات ) ، كانوا جميعاً قد فقدوا الإحساس بظهرهم و أطرافهم ، و تحولت أرادفهم إلى جزء من المقاعد ، و بعضهم أخذ يزجي الوقت في الحديث همساً وهم يضعون أيديهم على أفواههم كتلاميذ مدارس .
-- شكراً
و للحظة لم يصدق هؤلاء البؤساء آذانهم لكن الرجل كان قد انتهى بالفعل من محاضراته الطويلة ، من ثم تعالت تنهدات العرفان بالجميل ، و بدوا يصفقون له شاكرين !
كان المحاضر كهلاً وسيماً اسمه ( ريتشارد كامنجز ) قابلته في مصر أكثر من مرة و انبهرت به بشدة ، كان شامخاً مهيباً عصبياً مغرماً بالتاريخ و الفن و كان يعشق تاريخ الفراعنة و كانت هذه النقطة تلاقينا ....
بعد المحاضرة قابلته ، و على الفور هش و بش لي و بدت السعادة على وجهه ، بل إنه صافحني ( وهو شئ غير معتاد من الإنجليز ) ثم أنه سألني عن رأيي في المحاضرة فكذبت عليه بكياسة قائلاً إنها رائعة ؛ دعاني إلى بيته الريفي في ( يوركشاير ) ، لأنني – كما قال - إنسان متحضر و شديد الإخـلاص للعلم ...
لهذا – وكما علمتني التقاليد الإنجليزية الصارمة – وجدتني أجتاز مدخل حديقة البيت الإنجليزي الجميل في تمام الساعة السابعة مساءاً .. وكان القمر يرخي ضوءاً هادئاً رقيقاً على غصون اللبلاب المتدلية فوق سقف البيت المنحدر ، و في الحديقة كنت تشم روائح غير مألوفة لزهور لا تعرف اسمها ...
و في الداخل كان البيت أنيقاً بسيطاً ، بيت أسرة كاثوليكية متدينة .. و في قاعة الجلوس كانت هناك مجموعة كبيرة من الصلبان الأثرية ، و لوحة كبيرة للعشاء الأخير * ، وكانت زوجته في منتصف العمر مهذبة رقيقة ، أما ابنته كاترين فكانت مراهقة لكنها أكثر تعقلا من سنها ..
و أدركت كم هم متدينون حين تلوا قبل العشاء صلاة المائدة ، من ثم شعرت بالخجل من نفسي لأني نسيت البسملة على الطعام قبل أن أبدأ الأكل .. تمتمت أن بسم الله أوله و آخرة ، و شرعت أملأ بطني من الأصناف جميلة المنظر ، شنيعة الطعم ، التي عرف بها المطبخ الإنجليزي في أوروبا كلها ...
بعد العشاء – وفي حجرة المعيشة المريحة – جلس د. ريتشارد جوار المدفأة يدخن غليونه و يرشف القهوة في استمتاع وقد بدا لكلينا أن الحياة لن تكون أبداُ أروع مما هي عليه الآن ..
قال د. ريتشارد : كيف تشعر و أنت من سلالة الفراعنة هؤلاء العباقرة ؟
ابتسمت ولم أدر بما ذا أرد .
فغمغمت : .... بالندم و الحسرة لأني لم أحفظ حضارتهم وكل ما اكتشفوه ..
أكمل قائلاً: أحياناً يخيل لي أنه لم يعد هناك ما يمكن اكتشافه بعد كل ما اكتشف حتى اليوم .... أعتقد أن زمن ( الكشوف ) قد ولى و بدا زمن ( التطوير ) .
و هنا يبدأ دور رجل علم مثلي يؤمن بعلم ما وراء الطبيعة ويؤمن أن كل أسطورة لها أصل ما لم يحاول القدماء أن يتوقفوا عنده ، وهكذا نفتح أبواباً جديدة...
وجال ببصره في الغرفة الخالية .. ثم همس :
خذ عندك أسطورة الكونت دراكولا .. إن أحداً لم يحاول أن يتأمل فيها .. ، كانوا يبحثون في الكهرباء و الموجات الكهرومغناطيسية و الانشطار النووي و المضادات الحيوية فلم يتوقفوا عند هذه الأسطورة أبداً ، هنا يأتي دور رجل علم مثلي يؤمن أن هذه الأسطورة لم تأت من فراغ و يتوقف لحظة عندها ...
هنالك شواهد تاريخية عديدة و مريبة ... الدم هذا السائل الأحمر الغامض رمز الحياة و الموت معاً ، خذ عندك طقوس شرب الدماء في الهند .. المومياوات ذات الأنياب التي وجدوها في الصين ، ومآدب أهل أسبرطة التي كانوا يحتسون فيها الدم الممزوج بالخل و التوابل ، و دماء السلحفاة البحرية التي يشربونها لعلاج الروماتيزم في جامايكا .
و كتب السحر في القرون الوسطي ، و كلها تتحدث عن طرد مصاصي الدماء كقضية مسلم بها ..
وهنا نبدأ - بمرونة فكرية - نجزم أنه في وقت ما ، قي مكان ما ،/ تواجدت مخلوقات كابوسية تعيش على الدماء مثل دراكولا ..
-أوووه !!
و كان هذا هو صوت كاترين .. وكانت قد دخلت الحجرة لتوها فسمعت آخر جملة ، و سرعان ما اعتذرت بأنها ترغب في الصعود لحجرتها ..
قال د. ريتشارد :هكذا أفضل .. هناك أشياء لا يجب أن يقولها المرء أمام النساء .. أنت تفهمني .
و اتجه نحو النور الكهربائي و أطفأه ، فساد الظلام الحجرة فيما عدا نور المدفأة الهادئ الخافت .. ، و قال بطريقة درامية مؤثرة .
- هكذا يكون الجو مناسباً لهذه الأحاديث الرهيبة !!
أحسست بالرجفة تسري في ظهري ، وكان منظر لهيبة المدفأة يذكرني بالمشوار الذي ينتظرني بعد هذه الأمسية في العودة لفندقي .. البرد و الخوف ..
توقف د. ريتشارد أمام إحدى اللوحات المعلقة يتأملها على ضوء المدفأة المتراقص ، و همس :
-لقد بحثت و بحثت سنوات طويلة مع أحد رفاقي من علماء التاريخ .. و اليوم أستطيع أن أقول إننا برهنا بالدليل المادي على وجود الكونت دراكولا ..
دوت الكلمة الكابوسية في الظلام فأجفلت لها في مقعدي ، و الواقع د. ريتشارد كان مخرجاً مسرحيا رائعاً ..
-القصة كما يعرفها كل الناس هي قصة ذلك الكونت دراكولا الذي عاش في ترانسلفانيا في القرن الرابع عشر ... كان شريراً بكل ما في الكلمة معان ، و لكنه لم يكن من الموتى الأحياء .. إلا أن كاتباً نشطاً أسماه ( دراكولا ) أي الشيطان ، و خلده " برام ستوكر " في قصته الشهيرة التي لم يزل الناس يرتجفون منها حتى اليوم .....
ثم السينما العالمية .... " فنسنت برايس....... لون شاني " ليكملوا الصورة ....
اليوم أقول أنا : إن ( دراكولا ) وجد فعلاً كما صورته القصص دون أية مبالغة ...
*صورة مرسوم عليها حواري النبي عيسى ابن مريم عليهما السلام و معه حواريه ومن ضمن الصورة موجود الخائن الذي أفشى على عيسى وهو يبين في الصورة وهو قد سقط منه الملح من على المائدة وهذه رشة الملح هي سوء طالع لدى المسيحيين .
انتظروا الفصل الثاني...